شجن الأمكنة

محمد القعود

{ تتسلل من دوائر الضجر‭, ‬والأحاديث المملة‭, ‬والآراء السقيمة المكرورة‭,‬ والوجوه الكئيبة‮-‬‭‬والأخبار السوداوية‭ ,‬والنقاشات العقيمة‭, ‬والحوارات الفارغة‭ ,‬والجدل المحتد والسفسطائي‭, ‬حول اللاشيء ومن أجل اللاشيء‮..!!‬
وتنطلق باتجاه الأمكنة الحميمة إلى وجدانك‭, ‬أمكنة تشعر معها وفيها‭, ‬بنبض المكان وعبقه‭, ‬وبنكهة التاريخ ومذاقه‭, ‬وبتدفق الحياة وهديرها وصخبها‭, ‬وانسيابها المترقرق‮..‬
وأمكنة تضج بدفء الحياة وتيارها المتدفق بكائناتها المختلفة‮.‬
أمكنة تزدحم بالتفاصيل المدهشة‮.. ‬أمكنة تؤثثها طيبة الناس وأريج منابتهم ونبلهم الإنساني‮ ‬المصفى‮ ‬أمكنة تمتلئ بضجيجهم اليومي‭, ‬ذلك الضجيج الإيجابي‮ ‬الذي‮ ‬تشعر معه بدوران عجلة الحياة والكفاح من أجل ألا‮ ‬يكونوا ضحية تحت عجلات ظروفها القاسية‮..‬وإحساسهم العالي‮ ‬بأنهم جميعا‮ ‬يشاركون في‮ ‬تحريك المياه الراكدة وتسيير شئونهم‭, ‬وأداء دورهم في‮ ‬مختلف المجالات التي ‬ينغمسون فيها‮.‬
تتجول في‮ ‬تلك الأمكنة‭, ‬وتندمج في‮ ‬تفاصيلها التي‮ ‬لا تملها رغم مرورك وتجوالك فيها لعشرات ومئات المرات‮ ‬إلا أنك كلما مررت فيها‭, ‬أو أتيت إليها‭, ‬تجد أنك تشاهدها وتتنفس عبقها وتغمر وجدانك وأعماقك‭, ‬وتجعلك تسير وتتنزه في‮ ‬جنباتها دون أن تشعر بذلك الوقت الطويل الذي‮ ‬يمضي‭, ‬وأنت في‮ ‬حالة عشق وتناغم وانسجام مع تلك الأمكنة التي‮ ‬تبث سحرها فيك وتجعلك تمتلئ بعبقها المميز‮.‬
تمتلئ أعماقك بشجون كثيرة‭, ‬وبأفكار ومعان متعددة‭, ‬وتترى الصور والمشاهد الكثيرة أمام شاشة خيالك وذاكرتك وأندهاشك المتواصل وتشعر بنشوة وفرح وابتهاج‭, ‬يغمرك‭, ‬كما تشعر بقدرتك على الإطلاله على نوافذ جديدة والإمساك بلحظات تمر مثل البرق‭, ‬لكنها تمنحك وتضيء لك أفاقا‮ ‬جديدة وتكشف لك الكثير من الجوانب المعتمة‮..
‬تلك الأمكنة كثيرة في‮ ‬بلادنا‭ ‬وبإمكانك أن تتلفت حولك لتجدها فاتحة أحضانها لك وتنتظر قدومك إلى رحابها الحنونوخاصة عندما‮ ‬يحاصرك الضجر‮ ‬ويطوقك المملل وتوابعه المتعبة‮.‬
انظر حولك‮.. ‬المدن القديمة‭, ‬والقرى والأسواق المختلفة‭, ‬والأماكن القديمة كلها‮ « ‬مشتاقة لك‮» ‬فهل أنت مشتاق لها‮..‬¿
أما أنا فسأواصل نزهتي‮ ‬وتجوالي‮ ‬في‮ ‬أزقة صنعاء القديمة وإن وجدتني‮ ‬سارحا‮ ‬في‮ ‬تأملاتي‭, ‬فأرجوك لا تخرجني‮ ‬من سحر مدينتي‮ ‬ودعني‮ ‬أواصل طبع قبلتي‮ ‬على جبينها المضيء بتاريخها وعراقتها وفنها وتراثها الإنساني‮ ‬العظيم‮ وحنانها الذي لا يتوقف.‬

قد يعجبك ايضا