النوم.. والقمر
محمد المساح
لم يعد الأطفال في القرى ينشدون أو يهللون للقمر وهو يستدير قرصا بيضاويا في صفحة السماء الليلية المنيرة كما كنا ننشد حينها: “واقمر ضوي علينا.. لعبنا ولا سرينا” إنها تغيرات الأحوال.. ومقتضيات التطور.. أصبح القمر.. في السماء وحيدا ولم يعد يسمع إلى تلك الترانيم الطفولية مسألة أصبحت في علم التراث ولكنه التراث الذي لا يسجل ولا يحفظ ولأن الفضائيات بتردادتها وذبذباتها.. اكتسحت تلك الأشياء الجمالية.. وتصبح المسألة مجرد “نوستالجيار – الحنين” إلى زمن رومانسي عاطفي.. تاه في الزمن الدائر.. وانتهى يقول أحدهم رغم التقدم عندهم وإن كان يتغاير من شعب إلى شعب فالطفل الياباني ينام أقل من الطفل الأميركي إذا تساوت الأعمار لديهم وذلك يرجع إلى عادات الشعوب ويقارن صاحب هذا القول.. إما عند الشعوب العربية الحالية فقد اختلط الحابل بالنابل وخاصة بعد انتشار الفضائيات التليفزيونية بصورة عشوائية بما فيها الانترنت إذ غالبا ما يترك الطفل على حريته ينام كما يحب ويستيقظ كما يحب ويلهو ما شاء له مزاجه أن يلهو ولهذا نرى أطفالنا يسهرون في الشوارع وفي البيت لما بعد منتصف الليل وخاصة في الصيف وربما نجاريهم بل فعلا سبقناهم في حين أن الطفل الأوروبي أو الياباني والأميركي يذهب إلى سريرة في فترة محدودة ومعروفة وهي الثامنة مساء هذا وقد تمتد الطفولة عندهم حتى سن البلوغ ومع الأسف فإن الطفل العربي أصبح عجوزا منذ صغره فهو لا ينام إلا بعد منتصف الليل وفي الصباح الباكر يذهب إلى المدرسة بين النائم والحالم والمستيقظ وغالبا ما يكمل نومه وأحلامه على مقاعد الدراسة وما دامت الساعة البيولوجية قد تعطلت فإن الخلل المعاصر في الدورة الطبيعة للنوم واليقظة جعل الإنسان الحضاري المعاصر كثير التوتر والقلق وأصبح هذان العاملان القاسم المشترك الأعظم في أمراض المدنية المتهورة.