غياب المواطنة يفضي إلى الصراع والانقسام
د. أحمد حمود المخلافي
يرتبط لفظ (مواطنة) بالوطن الذي نقيم فيه بما يتضمنه من أرض ونظام سياسي وتجمعنا به علاقات قانونية تتجسد في الجنسية وعلاقات ثقافية وسياسية واجتماعية ترتبط بالشعور بالانتماء الوجداني والتاريخي والثقافي وترتبط كذلك بالتمتع بمختلف الحقوق والالتزام بالواجبات ويعد هذا كله نتاجا للشراكة في وطن واحد والتمتع بمصالح واحدة والاستعداد الذاتي للدفاع عن منجزات واحدة في إطار ذات جمعية واحدة.
وتتنوع أشكال المواطنة بين القسري والفطري من جهة وبين الاختياري من جهة أخرىوتشمل حقوق المواطنة جميع المواطنين ذوي الجنسية الأصلية أو المكتسبة المتواجدين داخل الوطن الواحد. وتتضمن حقوق المواطنة مجموعة من المبادئ:
1- المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات والحرية بمختلف تجلياتها كـ: التنقل ممارسة الشعائر الدينيةالتعبير,التفكير المشاركة السياسية والمسؤولية الاجتماعية الخ.
2- تفرض المواطنة كل وجوه التعاون الإنساني الضروري فعندما نشعر بأننا مواطنون حقا ومؤمنون بأننا نستظل تحت سقف العيش المشترك نتقاسم التناقضات الموجودة في المجتمع نفسها عندئذ تتحول نظرة المواطن الإنسان إلى أخيه الإنسان ويبدأ يعالج نفسه مع التناقضات مثل: الغنى والفقر القوة والضعف العلم والجهل إلى ان يصل إلى الحياة والموت أي أن يكون شغله الشاغل هو التفتيش عن مصدر كرامة الإنسان.
3- المواطنة هي عصب الديمقراطية باعتبارها حقا وواجبا تتعايش عبرها الخصوصيات الحضارية والثقافية ويتقوى الشعور بالمواطنة في المجتمعات الديمقراطية التي تترسخ فيها قيم العدالة والحرية والمساواة وبالتالي لا يمكن تصور وجود المواطنة في ظل الاستبداد الذي يلغي حقوق المواطنة ولا يعترف إلا بالواجبات في غالب الأحيان إذ تتحول معه المواطنة إلى نوع من العبودية وقد أسهم ترسيخ الديمقراطية وتعزيز المشاركة السياسية في تطوير المجتمعات وتعزيز الحقوق والحريات والمساواة وإدارة التنوع داخلها وتجاوز الولاءات الإثنية والعرقية والقبلية والعشائرية والمناطقية والحزبية الضيقة إلى ولاءات أكثر اتساعا.
4- لا يرتكز ترسيخ المواطنة وتكريسها على الدستور والقوانين والتشريعات فقط وإنما يعتمد بشكل كبير على وجود نوع من التسامح الاجتماعي والحوار والمشاركة وتقبل الرأي والرأي الآخر وقبول التنوع والاختلاف والتعامل والتعايش مع هذا الاختلاف سواء اختلافا ثقافيا أو دينيا أو مذهبيا أو قوميا أو طبقيا الخ.
5- نشر الوعي الفردي والجماعي في المجتمع وهو مهمة جماعية تتقاسمها الأسرة والمؤسسات التربوية والتعليمية والإعلام وفعاليات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وتتحمل الدولة مسؤولية كبرى من خلال بلورة سياسات عامة تحقق المساواة وتكافؤ الفرص وفرض احترام القوانين ودعم استقلالية القضاء وتجاوز الإفلات من العقاب.
6- وللتنشئة الاجتماعية دور محوري في ترسيخ قيم المواطنة ونقصد بها تلك التي تدعم تكوين شخصية الفرد وتحصنه ضد أي فكر هدام أو جارف قد يهدد هويته أو يجعله مستلبا وتسمح له بالتفاعل الإيجابي مع محيطه المجتمعي المتغير بعيدا عن أية هيمنة أو تنميط وهذا لن يتأتى إلا من خلال توافر منظومة تربوية واعية وتعليم بناء قادرين على إعداد جيل متعلم يتفاعل مع محيطه بشكل إيجابي ويؤمن بالاختلاف والتعدد والعقل والنقد وقادر على طرح الأسئلة بمختلف تجلياتها وابعادها بما يخلق نوعا من التوازن بين متطلبات الخصوصية التي تعكسها الهوية من جهة وضرورة الانفتاح على كل ما هو إنساني ومفيد بالشكل الذي يسمح بإعداد مواطن منفتح على قضايا مجتمعه ومستعد لخدمتها من جهة ثانية.
7- الشعور بالمواطنة هو مؤشر على تمتع الإنسان بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والثقافية والسياسية وتترسخ هذه الحقوق متى ما ترسخ الشعور بالعدالة والمساواة والحرية ومتى اختلت تظهر بوادر الانغلاق على المحيط العام والبحث عن انتماءات ضيقة بديلة الأمر الذي يفضي إلى بروز مظاهر الصراع الاجتماعي بشكله السلبي والعنيف والتعصب الضيق والاضطراب والتمزق والانقسام بصورة أكثر حدة.
8- من نتائج المواطنة الاعتراف للمواطنين بالمساواة وإدارة الاختلاف المجتمعي بأبعاده الدينية والإثنية أو العرقية بشكل ديمقراطي ويسمو فيها مبدأ المواطنة فوق كل الولاءات القبلية والعرقية والمذهبية وعلى أي اعتبار أو ولاء ودعم حقوق الأفراد في إطار من الأمن والاستقرار والأنظمة التي تفشل في إدارة المواطنة وإقرار شروطها وتختل فيها قيم المواطنة غالبا ما يتهددها التآكل والتمزق والانهيار.
9- ويفضي غياب