وماذا عن التحصين ضد شلل الأفكار¿
فتحي الشرماني
مثلما يحظى الأطفال بحملات تحصين ضد الشلل فإن الإنسان العربي – واليمني خصوصا – يحتاج في هذه المرحلة من الصراع السياسي إلى حملات ثقافية وتوعوية مكثفة للتحصين ضد شلل الأفكار.
شلل الأفكار.. مرض خطير يصيب العقل العربي المعاصر فيشل قدرته على التفكير الإيجابي الذي يؤسس لمسيرة التقدم والنهوض الحضاري لشعوب المنطقة, وذلك حين تختلط في هذا العقل الحقيقة بالوهم والصدق بالكذب والبطولة بالجريمة والوطنية بالعمالة والحرية بالبلطجة والثقافة باللقافة .. وهذا المرض ينتشر هذه الأيام بفعل كثير من السمومات التي تبثها بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة الطافحة بشهوة الإقصاء والاستئثار والاستفراد, وكأن الوطن حق للبعض, وليس للجميع.
شلل الأفكار يعني عجز المريض (مثقفا كان أو سياسيا) عن التجرد من الأنانيات والنرجسية والسادية وغيرها من الأمراض التي تجعله مغرما بالهجوم والاستعداء والكراهية, بدلا من أن يكون مغرما بالموضوعية والبناء الذاتي وإعادة النظر في الأفكار والقناعات والمسلمات ليهيئ الواقع بذلك لإجراء التغيير الذي يصنع التقدم والرخاء المنشود, فبقدر ما يكون الآخر في نظر (الأنا) مرضا خبيثا ينبغي استئصاله لصناعة النهوض تكون الذات موبوءة بأمراض هي العائق الأول والأكبر أمام تحقيق هذا النهوض, ولكن هذا ما ترفض النخب السياسية والثقافية النظر إليه والاعتراف به, وهو الرفض الذي سيبقينا في حالة من الضياع مادام التفكير الاستعلائي هو سيد الموقف.
لقد تجلى السقوط على أوضح صورة حين وجدنا في هذه الآونة من يطرب للغة الرصاص والمدافع, متخليا عن المبادئ السامية التي يؤمن بها, فربما وجدت حقوقيا أو ناشطا عاش حياته يحمل قضية إنسان قتل ظلما, ولكنه – أي هذا الحقوقي أو الناشط – لا يكترث لعشرات أو مئات الأسر التي تقضي نحبها بفعل اعتداء بطله باغ من أبناء جلدتهم استحل دماءهم وانتهك أعراضهم بمبررات واهية.
هكذا هي ثقافة الاستعلاء والإقصاء والاستئثار التي تعودت بعض النخب أن تجد نفسها من خلالها, فالأنا عندهم هي من يمتلك الحقيقة المطلقة, والآخر شر محض, والحقوق المكفولة لبني البشر جميعهم ليست في نظر هذه النخب إلا حقا لجماعة دون أخرى, والتقدم والوعي والفكر والثقافة والقيادة حكر على الأنا دون الآخر, وهذا الآخر في نظر الأنا لا يستطيع أن يتحصل على شيء من ذلك ولو صنع ما صنع.
أما الديمقراطية التي تأتي بالآخر شريكا في هذه الحقوق فليست في عرف هذه النخب هي الديمقراطية الحقيقية, وإنما هي ديمقراطية عمياء لأنها لا تبصر النبلاء وأنصاف الآلهة والفوقيين والراقين الأحق في رأيهم بكل شيء, أولئك الذين لا يفهم إلا هم, ولا يتثقف إلا هم, ولا ينبغي أن يحكم إلا هم, ولا ينبغي عزلهم, ولا تقدم ولا تطور إلا عن طريقهم, ولولاهم لهلك الناس, وانتهت الحياة.
فكيف يمكن تحصين عقولنا من هذا المرض العضال الذي يسري اليوم في الواقع العربي سريان النار في الهشيم ليشل أفكارنا ويصيب عقولنا بالعطب¿ هذا ما لا أستطيع الإجابة عنه في هذه المساحة, ولعل لنا معه وقفة في قابل الأيام إن شاء الله.
Fathi9595@gmail.com