حكاية فاسد أحمق
خالد الصعفاني
khalidjet@gmail.com
.. المسؤول الفاسد في اليمن تعرفه بسيماه, فهو عادة أنيق لأن من يدفع فاتورة أناقته ليس جيبه الخاص بل جيب الجهة التي يتولاها كوزير أو رئيس منظمة أو هيئة .. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن غياب الأناقة شاهد على نقاء الرجل لأن صاحبنا في هذه الحالة فاسد ولكن لمرتين معا .. مرة لأنه يسرق المال العام ومرة أخرى لأنه بخيل ولا يريد أن يعيش حياته ..!
.. هذا الفاسد يسعى للمنصب وهذا مؤشر أولي ولكن ليس دليلا .. وحين يبلغ مراده يبدأ بتأمين نفسه عبر طريقتين أولهما احتواء أو تأمين من حوله لكي تكون الطريق بعد ذلك أمامه ” هاي وي ” , لا مطبات ولا حفر ولا زحمة .. وثانيهما بناء تحالفات طويلة المدى مع أهل القرار أو المؤثرين فيه أو المهمين في بيئة العمل نفسها , وربما مع أولئك مجتمعين .. هذا يشبه إلى حد بعيد القبة الحديدية للدفاع التي بنتها إسرائيل من اجل قطع الطريق على صواريخ غزة محلية الصنع – لم تعد إسرائيل تخاف شيئا من الدول المحيطة لأن الجميع أصبح منشغلا بقصف الداخل من الداخل ..
.. وفي مضمون الفقرة السالفة تكمن الإجابة عن السؤال الكبير للأمة اليمنية : لماذا لا نرى الفاسدين يحاسبون منذ لحظة إعلان النظام الجمهوري مطلع الستينيات ..!
.. بمعنى آخر إذا كانت حصة كل فاسد كبير من فساد الأقل منه تصله بسهولة ويسر وبلا آثار فلماذا يتم طرح فكرة الإقالة أو المحاسبة من أساسه , خصوصا ونحن جميعا قبائل من الرئيس إلى التعيس ونرى الصواب في عنوان ” ما فيش داعي نجعجع الناس ” ..
.. وإذا.. من السهل أن تسمع عن مسؤول ياباني إحراق نفسه في شقته لأن فساده انكشف وسيحاكم .. وجاره مسؤول صيني رمى بنفسه من الطابق الـ 70 ليستريح قبل أن تصله يد السلطات فيظهر فساده وتكون فضيحته بجلاجل .. وفي أوروبا نماذج أخرى عديدة لمسؤولين تم عزلهم أو حوكموا بقضايا فساد أو تهرب ضريبي حتى وإن كانوا عمليا قد غادروا الكرسي , وهذا سرى على رؤساء حكومة ورؤساء وقادة هيئات في ايطاليا وفرنسا وألمانيا على سبيل المثال ..
.. عندنا ما أكثر المسؤولين وما أسهل أن يعرفهم الصغار والكبار وتعرفهم وسائل الإعلام والجهات الحكومية خصوصا المعني منها بمحاربة الفساد كهيئة محاربة الفساد أو الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة , لكنه لا أحد من هؤلاء يضع رجلا على يد صاحبنا الفاسد ..!
.. وإذا ما ظهر فساد أحدهم واستشرى أمره وأصبح الإبقاء عليه ” عيب اسود ” حولوه الى سفير أو ملحق أو حتى استشاري .. وهذا أمر أجزم انه لا يحدث إلا في اليمن ..!!
..وإذا غادر فاسد هيئة وقد سرق مئات الملايين فإن لا أحد يسأل عنه بل ربما تحول إلى انموذج في الإدارة إذا جاء الأسوأ منه .. سيغادر الأول بفلوس البلد وسياراتها وربما اعتمادات مرافقيه وكان اليمن مسؤولة عنه منذ حل على هيكلها الإداري ..
..ويبدو أن القدرة على الفساد أضحت في بلادنا بنودا مهمة للسيرة الذاتية وهذا ما يجعل الواحد من هؤلاء يحصل على لقب الأسوأ بين الناس ومع ذلك لا يخشى أحدا وكأن الفساد مزية وحظوة ومقدرة إدارية ..
أخيرا :
.. أما لماذا هذا المسؤول الفاسد أحمق رغم براعته في ” لهط ” المال العام بوسائل لا تستثني بندا صغيرا ولا كبيرا فتكمن في أنه نسي أن خسران الناس البسطاء من حوله نكسة كبيرة وخسارة اكبر .. كما انه أحمق كونه غاص في بركة الفساد ولم يعمل حساب لحظة قد تنقله إلى حيث لا فهلوة ولا شطارة ولا معاونين ..فقط قبر وظلمة وعمل تعيس أكثر رهبة من وجه عزرائيل وأحلك من ليل لا يخالطه خيط ضوء واحد ولو بسمك شعرة معاوية .. !