الأدب العربي.. خطوات نحو العالمية
فايز البخاري
من المعروف أن الشعر هو أعرق الأجناس في الأدب العربي وأن العرب قد بنوا عليه اعتدادهم الشديد بأدبöهم ولسانöهم إلا أن الشعر العربي عاش فترة طويلة من الركود والانحطاط الفني والمضموني استمرتú إلى أواخر القرن التاسع عشر حيث بدأ عصر النهضة الذي شهد صراعا مريرا بين المقلöدين والمجددين. وأسفر ذلك الصراع عن نشوء حركة تحديث ضخمة وعن انقلاب فني وموضوعي في الشعر العربي فبرزتú قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر إلى جانب القصيدة العمودية ذات القافية الواحدة وحلتú الوحدة العضوية والوحدة الفنية للقصيدة محل بلاغة البيت وتفكيك القصيدة وحل الغرض الواحد مكان تعدد الأغراض في القصيدة الواحدة.. وباختصار فإن الشعر العربي قد شهöد على امتداد القرن العشرين عملية تجديد وتحديث هائلة باتت تعرف في الأوساط الثقافية بـ (الحداثة الشعرية } فهل يعني ذلك بالضرورة أن الشعر العربي الحديث قد أصبح عالميا أو يمكن أن يتصف بالعالمية ¿ من المعروف أن الشعر كجنس أدبي قد تخلى عن قسم من مكانته الأدبية القديمة ك )) ديوان العرب )) لأجناس أدبية أخرى وفي طليعتها الرواية والقصة . وينظر كثيرا من النقاد اليوم إلى الرواية بصفتها الديوان الجديد المعاصر للعرب . ومن إن الإنتاج الشعري العربي المعاصر كبير وغزير جدا فأنه لم يعد المعبر الأول ولا الوحيد عن المجتمع العربي وما يعتمل فيه من قضايا اجتماعية و ثقافية وأخلاقية وسياسية . لقد انتقلت الريادة في الأدب العربي الحديث إلى الرواية والقصة القصيرة والى الدراما بإشكالها المختلفة .أضف إلى ذلك إن الشعر جنس أدبي عصي على الترجمة فإذا ترجم إلى لغة أجنبية فانه يفقد جانبا أساسيا من نوعيته الأسلوبية والجمالية ويفقد بالتالي قدرته على التأثير في المتلقين وهذا ما يحد من فرص استقباله عالميا . إن هذه المقولة لا تنطبق على الشعر العربي وحده بل تنطبق على الشعر بصفة عامة ورغم منح جائزة نوبل للأدب مرتين في الفترة الأخيرة لمبدعين في مضمار الشعر إلا أن ذلك لا يغير شيا من حقيقة أن دور الشعر في العلاقات الأدبية الدولية غير رئيسي وأن الشعر ظاهرة ثقافية وطنية بالدرجة الأولى . فالشاعر العربي الكبير نزار القباني ـ مثلا ـ يتمتع بمكانة مرموقة وحيث كبير ليس على مستوى القطر السوري الشقيق بل على مستوى العالم العربي وله مكانة لا تضاهى وتأثير يحسده عليه أي شاعر . أما خارج الوطن العربي فهو يتمتع بتأثير أو استقبال يستحق الذكر . وهذا ينطبق من حيث المبدأ على الشعراء العرب الآخرين وإن كان مختلفا بعض الشيء بالنسبة لمحمود درويش وأدونيس وصلاح عبد الصبور وبدر شاكر سياب إذ هناك إهتمام خارجي بشعرهم كما هو الحال مع شعر البردوني لدينا في اليمن وشعر عبد الوهاب البياتي في العراق . وهذا الاهتمام الخارجي تجسد في صورة ترجمات لبعض أعمالهم الشعرية وفي دراسات نقدية حول تلك الأعمال . ولكن ذلك لا يغير كثيرا في حقيقة أن فرص استقبال الشعر العربي الحديث خارجيا فرص محدودة . لا جدال في أن ذلك الشعر قد تطور وتجدد كثيرا وأن مستواه الفني والجمالي لا يقل بحال من الأحوال عن المستويات الإبداعية لأولئك الشعراء الأجانب الذين يعدون عالميين ولكن فرص العالمية المتيسرة للشعر العربي الحديث ليست كبيرة ودوره في عالمية الأدب العربي لن يكون رئيسا فهذه العالمية قد باتت منوطه بأجناس أدبية أخرى . لقد شهد الأديب العالمي الكبير غوتة أن شعراء الشرق أعظم من شعراء الغرب وعد الشعر خاصية ملازمة لبيئة العربي وطبعه ولكن الزمان قد ولى واليوم لم تعد عالمية الأدب العربي الحديث متوقفة على الشعر بل على الرواية والقصة . إنه عصر النثر والصورة . وعموما يمكن القول إن الأدب العربي الحديث تطور من حيث الشكل الفني والموضوعات وأصبح أغنى وأكثر قدرة على أن يقدم صورة صادقة وعميقة عن المجتمع العربي وما يعتمل فيه من تطورات وقضايا وهذا ما جعل ذلك الأدب مهيأ بالمعايير الجمالية والفنية والإبداعية لدخول دائرة العالمية إلا أن الأدب العربي الحديث بحاجة إلى جهود إبداعية أكبر تمكنه من أن يقدم مساهمات متميزة في الأدب العالمي كالواقعية السحرية التي قدمها أدب أمريكا الجنوبية وكفن السرد الذي قدمته حكايات )) ألف ليلة وليلة )) . إن الأدب العربي الحديث ليس بحاجة لأن يتكيف مع الأدب العالمي وأن يرتقي إلى المستويات الفنية والجمالية الموجودة فيه فحسب بل هو بحاجة أيضا لأن يقدم إضافات إبداعية جديدة وهامة إلى ذلك الأدب . فهذا ما ينظره العالم من أمة ذات رصيد حضاري تاريخي ضخم كالأمة العربية . إن الأدب العربي الحديث يحوي العديد من الأعمال الأدبية الجيدة ولكنه مازال بانتظار الأعمال الممتازة والمتميزة التي تفتح له باب العالمية على مصراعيه .