على حافة ثلجية
محمد الغربي عمران

عمار باطويل أدهشني كتابه (مطالعات من اميركا.) وأحسست كمن يطرح علي سؤال: كم هم من يسافرون¿ وكم منهم من يكتب عن مشاهداته¿ وكم نسبة من يكتبون بشكل جيد. ويحسنون صياغة ما يشاهدونه وما يعايشونه¿
أنا.. ولا أعوذ بالله من قولة أنا , من محبي كتابة ما أشاهد حين أسافر. كما أعشق قراءة ما يكتب في هذا الأدب الراقي والمفيد. لكني أجد أن قلة مما يكتب يضيف إلي جديدا. فالكثيرون حين يكتبون تظل كتاباتهم ذاتية أي تدور حول أنفسهم. ولا يخرجون فيما يكتبون إلى نقل تجارب الشعوب الأخرى والغوص في أعماقها كما هو عمار باطويل.
وفي هذه الأيام زاد الفيسبوك تلك الذاتية, لنقرأ الكثير في هذا المنحى, وأجزم بأنها ستتطور لتصبح ما يشبه الجنس الأدبي.
شكرا باطويل على كتابك الشيق وشكرا للدكتور أحمد باحارثه من أوصل إلي الكتاب.
الكتاب صادر عام 2013 عن دار حضرموت. يستعرض فيه الكاتب في عنقود حكائي مقالي أكثر من 19 موضوعا تتمحور كلها حول مشاهدات ومعايشات باطويل في رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
أسلوب الكاتب تهكمي بل ويصل إلى حد السخرية من تلك المفارقات التي كانت تصادفه .بل في أحيان كان الكاتب ينكت على نفسه ما يعطي القارئ درجة أدب وسخرية باطويل .
الكاتب ينتقل بنا من بيئتنا الشرقية التي يظن الكثيرون بأنها بيئة سوية ومثالية وما عداها سلب لقوم هم حفدة القردة والخنازير, ليقدم لنا بتجرد المثقف الواعي دون أحكام مسبقة ما عايشه وما يعيشه القوم هناك.
مستعرضا سطوة القوانين ودرجة تطبيق الأنظمة , موحيا بأن ذلك هو سر تقدمهم ورقيهم وإفشاء العدالة والمساواة في ديارهم. متمنيا أن نصل يوم إلى دستور قوي وقوانين نافذة وصارمة. مبينا إن دون قومية أو دين, فهي خليط من كافة مجتمعات العالم ومزيج من عدة أديان تتعايش وفق القوانين السارية دون هيمنة إحداها على الأخرى .
ولذلك فلها هوية انسانية معاصرة ولها ثقافة متطورة هي ثقافة التنوع والرقي والتنافس. ولا يكتفي بذلك بل يغوص باطويل في اعماق وعي المجتمع مقارنا بين الكرم العربي والشح الأمريكي الذي لا توجد في علاقاتهم ماهو دون مقابل, وأنهم يخططون لكل شيء على مستوى الفرد والأسرة كيف ينفقون وأين وكيف يستمتعون في عطلهم .ولم يكتفö باطويل بل استعرض في أكثر من مقالة تباين وجهات النظر في أوساط المجتمع الأمريكي حول حرب العراق وحروب أميركا حول العالم ليجد من يعارض بشدة ويصفها بالجرائم ومن يؤيد وفق مسالك القانون الذي يكفل الحرية الفردية والجماعية بشكل ديمقراطي. وأثر ذلك الحدث الكبير تدمير أبراج نيويورك سبتمبر 2001 ومدى تأثير ذلك في النفسية الأمريكية تجاه ماهو مسلم. فبعد ذلك التاريخ أضحى كل عربي متهما. وزادت السلطات من تتبع كل عربي في اراضيها وكثيرا ما يعتقل طالب أو مهاجر لمجرد الاشتباه وكثيرا ما يطرد من أراضيهم لمجرد الاشتباه والشك لتتراكم المعاناة وبالمقابل يزداد الطالب على الهجرة إلى تلك الديار!
يرصد تجدد شعب بأكمله وتعطشه للتجديد وعدم الركون للمسلمات . وأنه شعب الجنون والتجريب في كل شيء.
الكاتب يصف لحظات نزول الثلوج وهو الكائن الذي لم يعش قبل ذلك الموضوع. ولذلك جاء عنوان كتابة من تلك اللحظات التي خلدها وهو إبن الصحراء والجبال العالية الجافة يعيش لحظات استثنائية فريدة لا تحدث في جزيرتنا العربية.
ولم يتوقف عند رصد توجهات وأحوال المجتمع الأمريكي بل أفرد أكثر من مقال للحديث حول العرب من يتوجهون إلى أميركا راصدا معيشتهم وعلاقاتهم في العالم الجديد. مفردا مقالا بعنوان (عرب مينيسوتا) وهي الولاية الأكثر شهره من حيث عدد البحيرات التي تتجاوز الآلاف , كما أن هذه الولاية تضم أكبر الجاليات من الصومالي والوطن العربي ,, حيث يمارسون جل الأعمال التجارية والحرفية .وكذلك أمالهم وماذا يريدون من تواجههم في أمريكا. إضافة إلى ما شاهده من مهاجرين آخرين من شرق أسيا وأفريقيا وأوربا, وأميركا الشمالية. مصورا أميركا قبلة الجميع للدراسة والاستيطان والعمل وجمع الثروات . وأنها أرض الفرص الذهبية.
باطويل له أسلوب جميل وشيق, فبمجرد قراءاتي لأول مقال(حكاية هذا الكتاب) لم يفارقني حتى أتيت على آخره. ومن الصعب نقل ذلك الكم الكبير من الحياة التي نقلها الكاتب بنبض قلبه المحب لدينة وعروبته. وبتوقه إلى تطبيق تلك الأنظمة التي وجد أن سر التحضر هو في وجود قوانين صارمة تسوي بين أفراد الشعب ولا تستثني أحدا. ثم نسبة الحرية التي قد يصدم بها الوافد لكنه وجد أنها أحد أسباب تجدد ذلك المجتمع وتطوره .
تقدم لنا كتب أدب الرحلات ما لا تقدمه الكتب الأخرى. فالقارئ يشعر بأنه يقرأ قلبا نابضا وصادقا لتجربة إنسانية في مجتمع يراه لأول مرة. ويقدم لنا كاتب أدب الرحلات العالم من زاوية قد لا نراها. خاصة تلك التفاصيل الصغير التي تت