العفاريت وأوهام التوافق !
خالد الرويشان
* عاتبني أحدهم بعد أن امتعض لمجرد أنú أشرúت في يوميات سابقة إلى أن الظلام والغبار سيعيدان اليمن القهقرى إلى القرن الثالث الهجري ! ولا أعرف بالضبط ما الذي يغضب في قولي ذاك .. وكيف لأحدهم أن يعتب أو يغضب تعصبا لزمن غابر أو قرن أغبر ! وكنت أظن أننا جميعا كأصدقاء أبناء زماننا وعلومه وفنونه وأفنانه ,.. وأن الفن يقطر من أرداننا والعلم ينöز من أجفاننا !
نعم , ما زلت أعتقد أن الظلام والغبار هما الجهل يمشي على قدمين , وأنهما عكازا الصراع في اليمن الآن ! كما أن التعصب ربيبهما يدب على بطنه مثل أفعى سامة تزحف فتحرق كل شيء : الشجر والبشر والحجر . والضحية باستمرار هو الشعب الذي لا يعرف لأنه لا يرى ولا يعلم لأنه خارج العصر والزمان ! يختلط لديه الحابل بالنابل , والقاتل بالغافل ,.. ولقد بح صوتي وأنا أحذر من الظلام والغبار قبل أن يتراءى للجميع بعد ذلك شبح العفريت واقفا على تلال المدينة !
إنني حقا لا أحب أن أعود القهقرى إلى القرن الثالث الهجري ولا إلى غباره وظلامه .. وصراعاته , وبالطبع فإني لا أحب ذلك ولا اتمناه لشعبي وبلادي أيضا . ما أحبه وأتمناه لشعبي وبلادي : أن يتنفس الجميع الهواء الطلúق , وأوكسجين المواطنة المتساوية , وعبير المعرفة الإنسانية تحت أنداء دولة مدنية حديثة وحقيقية . وبالتأكيد فإنها ليست تلك الدولة التي لا تعرف قوائم عدد قتلاها من الجنود الفقراء ولا تفكر بالثأر لهم .. ربما لأنها منهمكة في إعداد قوائم الفرقاء المدراء والوكلاء الغرماء . . أما الفقراء الشهداء فلهم الله وهو المنتقم الجبار !
يتبادل اليمنيون التهم : أنت مع فلان ضد علان ! وأنت مع هذا الطرف ضد ذاك , وأنت قلت ولم تقل وينسون أن المشكلة الحقيقية أو النكبة الكبرى هي في استخدام السلاح كوسيلة وكغاية في نفس الوقت واستسهال القتل وهدم البيوت وحتى المدارس ! . يفعل ذلك فرقاء يزعمون أن مطلبهم الأساس هو الدولة المدنية الحديثة ! كم هي مظلومة هذه الدولة المدنية .. وكم هم ظالمون وكاذبون هؤلاء الذين يحملون السلاح تعبيرا عن أنفسهم وتنفيسا عن إرث الكراهية المتراكمة المتزاحمة في الصدور وعلى الشفاه والعيون !
استخدام السلاح بين الفرقاء هو المشكلة الحقيقية في هذا البلد . وتجييش البسطاء الفقراء على أساس مذهبي مقاتل هو حفرة الجحيم التي ستلتهم الجميع .. على أن النتائج ستكون وخيمة ومعúدöية فالفيروس المذهبي وباء فاتك وداء هاتك , ولأن الوقود جاهز والظروف ملائمة : ظلام وغبار وفقر وجهل .. فإن مسلسل الفتنة سيطول , ولأن الاستقطاب على أشده فإن الحريق سيستشري والدخان سيغمر كل شيء إذا لم يتفöقú الجميع على تجريم استخدام السلاح أولا والعمالة للخارج ثانيا !
إن المشكلة تزداد تعقيدا لأن الدولة ببساطة لا تعرف ما تريد ! وإذا عرفتú لم ترöدú ! وإذا أرادت ارتدت على أعقابها بسبب حسابات التقاسم وأوهام التوافق .. وفي الواقع أن المسلسل لم يعد طريفا ولا ظريفا بعد أن تقافز الجن من على الشاشة ! وامتلأت بهم زوايا البيت حقيقة لا خيالا .. وواقعا لا تمثيلا ! والأكثر مأساوية أن رب البيت هانئ بمهمته فهو مشغول بتقسيم الغرف .. الغرف التي لم يعد قادرا على الدخول إليها !