المعرفة التطبيقية !!!
سامي عــــطا
• اشترط أستاذ علم الاجتماع في جامعة ماليزيا على طلابه إسعاد إنسان واحد طوال الأربعة أشهر مدة الفصل الدراسي للحصول على الدرجة الكاملة في مادته..!! كما اشترط الأستاذ الماليزي على طلبته الثلاثين أن يكون هذا الإنسان خارج محيط أسرته وأن يقدم عرضا مرئيا عن ما قام به في نهاية الفصل أمام زملائه.
واتفق الأستاذ مع شركة ماليزية خاصة في رعايةهذا المشروع عبر تكريم أفضل 10 مبادرات بما يعادل ألف دولار أميركي.
وعند نهاية الفصل الدراسي نجح الطلاب الثلاثون بالحصول على الدرجة الكاملة لكن اختار زملاؤهم بالتصويت أفضل 10 مبادرات بعد أن قدم الجميع عروضهم على مسرح الجامعة وحضرها آباء وأمهات الطلبة الموجودين في كوالالمبور.
ولقد تركت هذه المبادرات الإنسانية أجواء مفعمة بالمفاجآت والسعادة في ماليزيا قبل عامين حيث حاول كل طالب أن يقدم عملا إنسانيا مختلفا رسم فيه سعادة وترك أثرا بالغا في مستقبل غيره.
ولقد جاء أحد المشاريع قدمه طالب ماليزي وهو أحد الفائزين العشرة بوضع هدية صغيرة يوميا أمام باب شقة زميله في سكن الجامعة وهو هندي مسلم أبتعثه والده لدراسة الطب في ماليزيا
وفي حيثيات اختياره لهذا الطالب لأنه شعر بأنه لا يمتلك أصدقاء أو ابتسامة طوال مجاورته له لنحو عام.
حيث كان الطالب الهندي لا يتحدث مع أحد ولا أحد يتحدث معه يبدو حزينا وبائسا مما جعل زميله الطالب الماليزي يرى أنه الشخص المناسب للعمل على إسعاده..
أول هدية كانت رسالة صغيرة وضعها تحت باب شقته كتبها على جهاز الكمبيوتر في الجامعة دون توقيع:
“كنت أتطلع صغيرا إلى أن أصبح طبيبا مثلك لكني ضعيف في مواد العلوم إن الله رزقك ذكاء ستسهم عبره بإسعاد البشرية”.
في اليوم التالي اشترى الطالب الماليزي قبعة تقليدية ماليزية ووضعها خلف الباب ومعها رسالة: “أتمنى أن تنال قبولك هذه القبعة”.
في المساء شاهد الطالب الماليزي زميله الهندي يعتمر القبعة وتبدو على محياه ابتسامة لم يشاهدها في وجهه من قبلولم تتوقف المسألة عند هذا الحد فحسب, بل شاهد في حسابه في الفيس بوك صورة ضوئية للرسالة الأولى التي كتبها له وأخرى للقبعة التي وضعها أمام باب منزلهوأجمل ما رأى هو تعليق والد طالب الطب الهندي في الفيس بوك على صورة رسالته والذي قال فيها: “حتى زملائك في الجامعة يرونك طبيبا حاذقا لا تخذلهم واستمر”.
دفع هذا التعليق الطالب الماليزي على الاستمرار في الكتابة وتقديم الهدايا العينية الصغيرة إلى زميله يوميا دون أن يكشف عن هويتهكانت ابتسامة الطالب الهندي تكبر كل يوم وصفحته في الفيس بوك وتويتر تزدحم بالأصدقاء والأسئلة: “ماذا ستحصل اليوم¿””لا تتأخر… نريد أن نعرف ما هي الهدية الجديدة¿”.
تغيرت حياة الطالب الهندي تماما تحول من انطوائي وحزين إلى مبتسم واجتماعي بفضل زميله الماليزي.
بعد شهرين من الهدايا والرسائل أصبح الطالب الهندي حديث الجامعة التي طلبت منه أن يروي تجربته مع هذه الهدايا في لقاء اجتماعي مع الطلبةتحدث الطالب الهندي أمام زملائه عن هذه الهدايا وكانت المفاجأة عندما أخبر الحضور بأن الرسالة الأولى التي تلقاها جعلته يعدل عن قراره في (الانصراف عن دراسة الطب) ويتجاوز الصعوبات والتحديات الأكاديمية والثقافية التي كان يتعرض لها!!!
لعب الطالب الماليزي محمد شريف دورا محوريا في حياة هذا الطالب بفضل عمل صغير قام به.
سيصبح الطالب الهندي طبيبا يوما ما وسينقذ حياة العشرات وبفضل هذه اللمسة والموقف البسيط أحدث فرقا في حياة إنسان.
اجتاز الطالب الماليزي مادة علم الاجتماع ولكن ما زال مرتبطا بإسعاد شخص كل فصل دراسي بعد أن لمس الأثر الذي تركه أعتاد قبل أن يخلد إلى الفراش أن يكتب رسالة أو يغلف هدية.
اتفق محمد مع شركة أجهزة إلكترونية وتحول مشروعه اليومي إلى عمل مؤسسي يسهم في استدامة المشروع واستقطاب متطوعين يرسمون السعادة في أرجاء ماليزيا.
هذه الحادثة يمكن أن تشكل مصدر إلهام يتم بموجبها تحويل كثير من المعارف النظرية إلى حقل التطبيق المجتمعي, وربط النظرية بالتطبيق, وهذا الأمر يحتاجه مجتمعنا المليء بالمشكلات, كما أنها تؤكد أن كثيرا من المعارف مهما أتسمت بالطابع النظري البحت, فإنها لا تخلو من إمكانية تحويلها إلى معارف يمكن أن يكون لها جانب تطبيقي.
* استاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث
قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن