السلطة والإقناع

أولى الأستاذ في الجامعات البريطانية دافيد ويلش اهتمامه لمسألة الدعاية في حقل دراساته وأشكال تأثيرها في الجماهير عبر السينما والسياسة وفي الحروب والحقل العام. وهو يكرس كتابه الأخير للموضوع نفسه تحت عنوان: «الدعاية: السلطة والإقناع».
يربط دافيد ويلش بين تعاظم دور الدعاية الموجهة للجماهير وبين التطور الكبير الذي عرفته وسائل الإعلام عامة وخاصة التلفزيون الذي لعب دورا في صناعة الرأي العام. فهذا التطور التكنولوجي ووصول عصر الثورة الرقمية جعل من الدعاية أداة حقيقية في إدارة الرأي العام وقبل ذلك في صياغته. وهكذا تحمل الصفحات الأولى من الكتاب عنوان:
«الدعاية والإقناع في عصر الإعلام». تتوزع مواد هذا الكتاب بين 15 فصلا يدرس كل منها جانبا من جوانب تأثير الدعاية في الرأي العام مثل: العلاقة بين الحرب المعاصرة والدعاية والدولة دراسة العلاقة بين الدعاية والذاكرة والهوية. وهناك مساهمات تدرس حالات لدور الدعاية مثل: البريطانيون في الحرب العالمية الثانية حرب المعلومات والحلف الأطلسي.
أحد الخطوط الناظمة في تحليلات الكتاب يتمثل في البحث عن مسار التطور الذي عرفته تقنيات استخدام الدعاية وآليات استخدام وسائل الإعلام الجديدة في «كسب القلوب والعقول». وتذكر تحليلات الكتاب بأن اللجوء إلى الدعاية لم يكن تاريخيا ممارسة تقوم على نيات سيئة من قبل أولئك الذين أطلقوها. بل ربما كانت في حالات كثيرة تقوم على خلفية القناعة بمصداقية ما تدعو إليه.
وما يطالب به المؤلف هو الشروع في دراسة معمقة للمسار التاريخي للدعاية وعدم الاكتفاء بالقول إن الدعاية هي ورم خبيث أصاب الجسد السياسي وأنها تعني استغلال تفكيرنا والسيطرة عليه وأنه ينبغي تجنبها بأي ثمن.
يشير المؤلف إلى أن بدايات استخدام تعبير الدعاية تعود في أوروبا إلى فترة الإصلاح التي عرفت قيام حركة دينية في القرن السادس عشر وتولدت عنها الكنيسة البروتستانتية. ولكنه يؤكد أن استخدام الدعاية كأداة في خدمة السياسة وفي توجيه الرأي العام وأحيانا صناعته لم يكن ممارسة منهجية ومدروسة الأدوات والأهداف إلا في القرن العشرين. ويلفت إلى أن الدخول الحقيقي للدعاية في الحسابات الحربية يعود إلى الحرب الكبرى حسب التوصيف المستخدم للحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918.
لعل من أهم ميزات هذا الكتاب أنه يولي الاهتمام لدراسة الجوانب النظرية لمفهوم الدعاية «البروباغاندا» من حيث إنها تشمل إطلاق مقولات وإشاعات لا يمكن التحقق من صحتها.
يؤكد المؤلف في حديثه عن الدعاية في المجال الأوروبي خاصة والمجال العالمي عامة على شخصية «الزعيم» والتي يجري تكريس أحد فصول الكتاب لمناقشتها ولاستعراض أسباب انتشارها في فترات معينة. ويلفت في هذا الإطار إلى استخدام الرموز التي تدل على الأمة وعلى تاريخها مثلا الأعلام والأناشيد التي توظف رمزيتها للتعبئة الجماهيرية.
ويدرس دافيد ويلش الكيفية التي استخدمت فيها الأنظمة الشمولية ذلك في ظل النازية الألمانية بزعامة هتلر والفاشية الإيطالية أثناء حكم موسوليني والشيوعية السوفييتية في زمن ستالين ذلك من دون نسيان التعرض سريعا لتجربة الدعاية الصينية أثناء حقبة ماوتسي تونغ.
فهؤلاء الزعماء ارتبطت أسماؤهم بشكل وثيق باللجوء إلى الدعاية ذات الطابع الشمولي. وفي جميع الحالات كان هدفهم هو توحيد الصفوف وراءهم وزرع الانقسام في صفوف العدو. ويذكر المؤلف أن شخصيات عالمية أخرى استخدمت الدعاية لمصلحتها مثل: ونستون تشرشل وجون كينيدي.
 المؤلف في سطور
 يعمل دافيد ويلش أستاذا للتاريخ الحديث. وهو مدير مركز الدراسات الخاصة بالدعاية والحرب والمجتمع في جامعة «كينت» البريطانية. يسهم بالكتابة في العديد من الصحف والدوريات. من مؤلفاته: الدعاية والسينما الألمانية خلال سنوات 1933 ـ 1945.
 الكتاب: الدعاية.. السلطة والإقناع – تأليف: دافيد ويلش – الناشر: المكتبة البريطانية لندن – 2013 – الصفحات: 216 صفحة – القطع: المتوسط

قد يعجبك ايضا