عدوان العالم على غزة!

وديع العبسي

 

 

للأسف الشديد يبدو أن العالم قد بدأ يتعايش مع انحراف الكينونة البشرية للصهاينة في غزة، وباتت مشاهد القتل العنيفة التي يمارسونها هناك وواقع التدمير لأحياء سكنية كانت تضم أكثر من مليونين ونصف المليون إنسان، أمراً مألوفاً واعتيادياً، ولم تعد حتى تثير أي مشاعر رفض أو استنكار.
منذ وقت مبكر كانت الفئة الصهيونية تعمل على ترويض العالم للوصول به إلى هذا المآل من الانسلاخ من القيم الإنسانية، ودفعه لتقبل تداعيات صنائعها المنحرفة لعلم قادتها ومشعوذيها بأن وجودهم أصلا على أراضي الفلسطينيين هو بذاته تَعَدٍ على حقوق الآخرين. ولأن النوايا تذهب إلى إخلاء هذه الأراضي من سكانها الأصليين، كان في التفاصيل خطط للتنفيذ تقوم على القتل والتهجير وممارسة أشكال التمرد على كل الأعراف، وبالتزامن سلب الأمة العربية والإسلامية من إرادتها حد الشلل حتى عن الاعتراض ورفض ما يجري، لتصير ممارساته اليوم في غزة مجرد مشاهد يومية لا تستحق أي صوت.
يعيش العالم اليوم أسوأ مرحلة تاريخية ضاعت فيها النخوة والغيرة وقيم الحق والخير العدالة، حيث وفي هذا العهد أيضا يتم استضعاف شعب مجرد من السلاح ومن حق الدفاع عن نفسه، وتصير مقومات حياته بيد عدوه يتحكم بها كيف يشاء فيحاصرهم من الماء والغذاء ويحرق مزارعهم ويدمر آبارهم، حتى صارت كل مكونات المشهد دماراً وأشلاء ورائحة دماء، وجثثاً متحللة تحت الأنقاض ممنوع انتشالها، والحزن والخوف يعم المكان على وجوه النساء والأطفال والمسنين، وهؤلاء هُم بنك أهداف جيش الاحتلال.
أكثر من (21) شهرا ولا يزال العدو ينفس عما في داخله من حقد وكراهية ضد الشرية، من خلال حرب إبادة لا هوادة فيها، وحرب على كل شيء حي في فلسطين المحتلة، حتى زادت في الأسابيع الماضية الحصيلة اليومية للشهداء والجرحى علاوة على المفقودين ومن لا يزالون تحت الأنقاض.
وأكثر من (21) شهرا ولا يزال العالم المنافق على ذات تصوراته المحمومة بأن العدو الهزيل في إنسانيته بمقدوره إنهاء شعب الجبارين، كما ولا يزال هذا العالم يراهن على قتل حس الانتماء للدين وللأرض لدى الفلسطينيين كي يتجهوا إلى الحدود مهاجرين. تبددت الرهانات والتصورات، ولا يزال الفشل وعار الهزيمة سيد التكالب على هذا الشعب الأعزل. ورغم أن المعطيات قد أظهرت تمسكا طبيعيا وقويا من قبل الفلسطينيين بوطنهم ورفضهم الاحتلال، إلا أن المؤامرة لا تزال مستمرة، وما لم يحققه العدو بالإغراء والترهيب لمغادرة غزة يستمر في محاولاته لتحقيقه بالنار والتجويع، مع سقف أمريكي مفتوح من الدعم والحماية.
مع ذلك لم يغادر فلسطيني واحد أرضه إلا شهيدا. وهذا ما على أعداء الإنسانية أمريكا وإسرائيل التسليم به، فلا مجال مطلقا لتحقيق رفيرا الشرق، ولا مساحة مطلقا لتوسيع الجغرافيا المحتلة، بل ولا مجال حتى لتوفير الأمن للغاصبين والمغتصبات، فالمقاومة ليست فعلا طارئاً يمكن أن يتوقف بانتهاء العدوان على غزة، والمقاومة ليست موسمية، تنكمش وتتمدد مع اختلاف الفصول، ولكنها فكرة قائمة بسبب الاحتلال وستستمر حتى رحيله من كل الأراضي المحتلة، وهذه مسألة لا يختلف عليها اثنان.
وشاء من شاء وأبى من أبى، سيشهد التاريخ على «وضاعة» العالم في هذه المرحلة التاريخية، وهو يحاول التكيف مع مشاهد القتل الجماعي للفلسطينيين، كما سيشهد التاريخ واحدة من أنصع صفحات الثبات على الحق والمقاومة من أجل الحق وإنقاذ البشرية من الغدة الصهيونية.

قد يعجبك ايضا