مديح الظل

محمد المساح


 - تخيلوا إبتسامة امرأة شابة على ضوء فانوس مترنح يلمع بين حين وآخر أسنانا في لون الك الأسود بين شفتين لهما لون أزرق وهمي يشبه لون اللهب الخفيف هل يمكن أن نتصور وجها أكثر

تخيلوا إبتسامة امرأة شابة على ضوء فانوس مترنح يلمع بين حين وآخر أسنانا في لون الك الأسود بين شفتين لهما لون أزرق وهمي يشبه لون اللهب الخفيف هل يمكن أن نتصور وجها أكثر بياضا من هذا الوجه¿ بالنسبة لي أنا على الأقل أعتبره أكثر بياضا من بياض أية امرأة بيضاء داخل هذا العالم الوهمي الذي أحمله منقوشا في دماغي.. إن بياض الإنسان الأبيض بياض شبه شفاف وبديهي منفصل نوعا ما عن الكائن البشري من الممكن ألا يكون لبياض كهذا أي وجود حقيقي من الممكن أن يكون مجرد لعب خادع وعابر بالظل والضوء إني أوافق على ذلك لكن هذا البياض يكفينا إذ أنه ممنوع علينا أن نرجو ما هو أحسن من ذلك.
يوضح جونيشيرو تانيزاكي الأديب الياباني في كتابه مديح الظل قائلا: يحدد أجدادنا في الفضاء المضيء قبل كل شيء مكانا مغلقا يجعلون منه عالما من الظل.
ويتساءل: ماذا يمكن أن يكون سبب هذا الاختلاف الجذري جدا في الأذواق¿ أعتقد بعد تمعن في الأمر أنه يعود إلى أننا نحن الشرقيين نسعى إلى أن نقنع بالحدود التي نفرض علينا وإلى أننا كنا دائما راضين بوضعنا الحالي نتيجة لذلك لا نشعر بأي اشمئزاز إزاء ما هو مظلم. في استمرار في نفس الأماكن يحدثان بمرور الزمن تشربا دسما وبتعبير آخر فإن هذا اللمعان هو إذن قذارة الأيدي لهذا السبب كان من الممكن أن نضيف إلى الحكمة التالية التي تقول إن: التصفية شيء بارد هذه العبارة وقذرة قليلا ومهما كان الأمر فإن عناصر مشكوكا في نظافتها وفي التزامها بالقواعد الصحية تتدخل بالتأكيد في الذوق الرفيع الذي نتباهى به.
وخلافا للغربيين الذين يجتهدون في إزالة كل ما يشبه القذارة إزالة تامة فإن سكان الشرق الأقصى يحافظون عليها بعناية فائقة مثلما هي كي يجعلوا منها عنصرا جماليا ربما تقولون لي: هذه هزيمة نعم أوافق على ذلك هذا صحيح لكن الصحيح أيضا هو أن نحب الألوان ولمعان شيء لونه الوسخ أو سواد الدخان أو تقلبات الطقس أو يبدو كذلك وأن العيش في بناية أو وسط أدوات منزلية تمتلك هذه الصفة يهدئ القلب ويريح الأعصاب بشكل عجيب..ضمن هذا السياق يقول «تانيزاكي»: وهذا يعود إلى الرعب الذي نشعر به أمام الأدوات الزجاجية والمعدنية البراقة في فترة كنت أعاني فيها من انهيار عصبي قوي كان مجرد الاستماع إلى حديث عن طبيب أسنان عائد من أميركا وفخور جدا بأجهزته الحديثة يثير في الرعب.. بينما كنت أذهب بسرور إلى طبيب أسنان فتح عيادة شبه قديمة في بيت ياباني قديم مثلما نرى ذلك إلى حد الآن في المدن الصغيرة.

قد يعجبك ايضا