(لافـتـــات)

عائشة عبدالله المزيجي

بينما عيناه معلقتان بالشاشة يلمح عن جانبه هيئة سوداء , بحركة آلية تبدو معتادة مد يده تجاهها بخمس أفلاس .
ـ لمن هذي أنا لم أعبر حتى تعطيني باقيا.
ـ ينتبه ليقظتها
ـ عفوا أتطلبين خدمة .
ـ نعم أأقطع من وقتكم وهؤلاء فأنا على عجلة .
ـ أريد التواصل عبركم إلى الجهة المعلن عنها في الحملة الدعائية أمام مشفى المدينة رقم 99.
ـ رسالتي إلى مقر فضائي يطلبني أنا ومن تريد من أمثالي مرغوب فيها إن كان لها مهارة , أما مهاراتي فكثيرة :
أجيد إشعال النار دون أعواد كبريت , أنسج فرش دون قطن أو حرير , أتقن إقناع الرضيع أن يستسيغ وجبة الوا…وا …وا..بدلا عن الحليب , أستطيع التعرق في المتجمد الشمالي .

ـ اعتقدتك أنثى كما أوحى لي شكلك , أما وقد وصلت إلى جنونك اخرجي فالمجانين يملاؤن المعابر يحتسون الفراغ بهدوء , يرسمون بالحجارة شفاه وزاوية ابتسامة ..يهمسون لورود من البلاستيك .
يثور وقد انتفضت نظارته عن أنفه المبلطح , والتفتت الوجوه المتحدة بالشاشات ثم رجعت إلى مقرها لا تبالي .
ـ عليك أعصابك سيدي كي لا تقطع تواصل هؤلاء وهم بين منطلق المهد وقنوع اللحد ينهلون ليفرشوا الكون .
ـ يغير تجهم وجهه ويفرد جناحي مرفقيه إلى الأعلى ساكبا قهقهات بعد سماعه صوت جهوري , مجموع ألسن كانت مطبقة تردد: هيه ..هيه كرة التعادل .
تشخص عيناها مبهورة ….. فتسحب من على مكتبه ورقة كتب عليها رموز عبورها , إحدى يديها تدفع السحاب الزجاجي إلى الخارج , والأخرى تقلب لافتة مفتوح إلى مغلق وتنسل بهدوء …تاركة ضوضاء وأطوال جوفاء .

يقطع استرجاع يومياتها صوت المذياع الموازي لرأسها يردد بعد إتمامه النشرة الإخبارية رقم 100 : هنا صوت العرب ….وهو يزاحم بخارا متصاعدا .
وهي متكئة على منصة حجرية ارتفعت عن ساحة حمام النساء ورشاشات الماء تحيط بها مبيعاتها : عطورات آخر مرة , حناء الجودة , صابون فاكس , أمشاط جذور , أحجار تجميل , بيبسي التفخيم .
وأمامها وعلى بعد مسافة ليست ببعيدة … صغيرات سنهن دون الخامسة يكفيها ما نضح من طهور أمها , عجائز تشغل حيزا من الفراغ تراهن على تجددها , صبايا تعارك شبابة الماء….

قد يعجبك ايضا