في صنعاء القديمة حيث يضج الصباح بالناس ورائحة المطاعم الشعبية والمصنوعات القديمة انبرى أمام ناظري “ثلاثة” سياح.. سؤال تبادر إلى الذهن .. هل يعقل أن أرى سائحاٍ في هذا الوضع الأمني المنفلت.. دققت النظر جيداٍ في وجوههم .. تمعنت أكثر .. الخوف لا سواه يتقاطر من الوجوه .. يتوزع على المارة يمنة ويسرة.. نعم .. النظر يمينٍا ويساراٍ بين الفينة والأخرى دليل كافُ على عمق الخوف الذي يبديه السياح في ذاك الجو الصباحي الذي يجب أن يكون أكثر طمأنينة وأكثر هدوءاٍ.. بالله.. متى سيغادر الخوف حلم الصباح¿
متى سترى الصباح بهيئة ملاك لا يوزع على الناس سوى السلام.. هذا ما كان يدور في خلد كل يمني لا يشعر بالهدوء ويدور في خلد كل سائح أراد الاستمتاع ومعرفة المزيد من تاريخ هذا البلد.. العابثون يريدون إخراس التاريخ كما يفعلون بالضبط عندما يقمعون الحاضر.
مشهد الرعب للسياح الثلاثة في صنعاء القديمة كان قبل أسبوعين من الشرود الرسمي عن هذا القطاع المهم في نمو البلدان شحيحة الموارد اقتصادياٍ.
لم يكن المشهد ذاك منفرادٍ بل سبقتهْ مشاهد أخرى في غير مكان من هذا البلد الجريح بفعل أبنائه المتطلعين دوماٍ إلى العبث بكل ما هو جميل ومستأنس به.
في مدينة ثلا التاريخية حيث يقع أجمل قصر في تاريخ اليمن لم أر سائحاٍ واحداٍ في زيارتين متفرقتين لذاك المكان.. بالفعل لا سائح عربياٍ ولا أجنبياٍ على مرور الثلاثة الأعوام الماضية انقطعت زيارات السياح إلى المكان ذاته. يقول صاحب محل لبيع الفضة هناك.
ويضيف: كنا مرتاحين عندما كان السياح يتوافدون إلى ثلا .. اليوم لم نعد نجد العمل وكثير من أبناء هذه المدينة توقفوا عن الأعمال.
الطفلة منى التي تبادر بتعريف الزائر بالمدينة تعلمت من الكثير من الأجانب لغتهم وكانت ترطن مع من يجيد التحدث باللغة الإنجليزية هي الأخرى لم تعد تكسب المال الذي كانت تحصل عليه في السنوات ما قبل 2010م تقول منى: أنا وأبي كنا عايشين على ما نحصل عليه من السياح نظير تعريفهم بالمكان وبيع بعض المقتنيات وتضيف كما ترى المدينة الآن.
الكثيرون في المدينة يعانون من سوء الحال وقلة الحيلة .. أربع سنوات مرت وهم يعيشون أوضاعاٍ صعبة مقارنة بتلك السنوات التي خلت وبحسب الجهات الرسمية فإن ثلا كانت تستقبل شهريا 500 سائح على أقل تقدير هذا العدد اختفى كلية اليوم.. كما أن العدد ذاته حينها كان يحقق إيراداٍ جيداٍ لوزارة السياحة وللمدينة التي تبدو صباحا متشحة بكل معاني الحزن ويغادر المساء على طرقات الأبواب الصاخبة تعبيراٍ عما وصل إليه حال الناس هناك.
في قصر دار الحجر بوادي ظهر المشهد يتكرر.. لا سياح أجانب وإذا ما صادف الزائر إلى هناك سائحاٍ فهذا قوي قلب كما يحلو للبعض هذا الوصف.
في زيارة واحدة وجدت في ذاك المكان سائحين والمشهد المضطرب لم يغادر وجهي هذين السائحين.. تحدثت مع المترجم وأخبرني لتوه:
السياح خائفون من الوضع الأمني في البلد .. خائفون من الاختطافات.
في السنوات الكثيرة الماضية ظل السياح يتعرضون للاختطافات ظناٍ من الجهات المختطفة أنها ستحصل على فدية مقابل الإفراج عن أي سائح مختطف وهذا ما كان يحدث بالفعل لكنه لم يكن بهذه الصورة المخيفة إذ تطور الأمر من الاختطاف إلى التفجيرات المرعبة التي جعلت البلدان التي يرغب مواطنوها في السفر إلى اليمن بغرض السياحة تحجم عن السماح لهم بذلك.
الوضع الأمني في البلد عامة جعل الكثير من السياح يحجمون عن السفر إلى اليمن وهذا بطبيعة الحال أثر سلبا على هذا المورد الذي تحرم منه اليمن عاماٍ بعد آخر.
العام 2008م هو آخر عام توافد إليه السياح العرب والأجانب بشكل لا بأس به إذ زار اليمن في ذات العام 405 آلاف سائح من مختلف الجنسيات.
وكانت العائدات حينها 450 مليون دولار الأعوام التي تلت العام 2008م كان الانخفاض في حجم عائدات السياحة واضحاٍ ولا يكاد يذكر. وتعيد الجهات المعنية بالسياحة التراجع المفرط للسياحة في اليمن إلى تزايد الانفلات الأمني المستمر وتفاقم عمليات التقطع في أماكن مختلفة من البلد ناهيك عن الصراعات القائمة بين الأطراف اليمنية والتي تصل إلى حالة الاحتراب في أكثر من جبهة ابتداء من العام 2011م حتى لحظة كتابة هذا الموضوع.
الجهات عينها تربط انتعاش السياحة بتحسن الوضع الأمني وهذا واجب وزارة الداخلية التي عين فيها وزير جديد .. يأمل الجميع أن تكون فاتحة التحسن الأمني على مدى تطبيق والتزام الجميع بالقانون لأن الوضع الأمني الحالي بات مخيفاٍ للجميع .. للسائح والمواطن اليمني.. وكذا للأجانب العاملين في اليمن أو أولئك الذين يأتون لتنفيذ مهام عمل لأيام معدودة.
في الأسبوع الماضي رأيت مدى خوف أحد المدربين الأجانب الذي جاء لمهمة تدريب صحفيين على مدى أربعة أيام .. المدرب كان يأتي إلى قاعة التدريب مرتدياٍ شالاٍ يمنياٍ عسى أن يخفي ملامحه الأجنبية.. بعد أن تم إبلاغه من غرفة عمليات مكتب الأمم المتحدة في اليمن أن يأخذ حذره خوفاٍ عليه من التعرض لعملية اختطاف كما حدث لكثير من الأجانب خلال الأعوام الماضية.