سباقات مصر
أحمد الشرعبي
لا أقول أن علاقتنا بالعسكر غدت على ما يرام لمجرد أن قائدين عسكريين في اليمن ومصر لامسا شغاف قلوب شعبيهما في لحظات فارقة تتشح بالسواد وتضيق الخناق أمام البطولات الاستثنائية بل هي تجعل منفذ الضوء لمثل هذه البطولات الإنقاذية خرم إبرة في جدار صلب.
ومع أن قلبي وعواطفي واستجابة القلم بين أناملي أقرب إلى الأول في نضاله الشاق من أجل وحدة البلاد إلا أنني – وقد تأخر وعد التغيير الجذري الجاد والحاسم في اليمن – بت أكثر ميلا لمأثرة الفريق عبدالفتاح السيسي وهو يرص أهرامات مصر سدا منيعا في وجه الولايات المتحدة الأمريكية ويسقط رهانات جيوبها في الداخل بصورة مدركات جديدة على ذاكرة التاريخ نستخلص منها دروسا مبتكرة بما لإرادة الشعب من قوة وسحر يفوقان معجزات الحروب وسجل الملاحم الذائعة في سفر الحرية والاستقلال.
الرجل قال كلمة مصر ولم يستأذن أحدا غير شعبه وايماض ضميره كمحارب يؤدي واجب الوطن ولا يلقي بالا لتعرجات السياسة وحساباتها أو يقيم وزنا لاملاءات الخارج طالما تبين إرادة الشعب وتحرى الطريق إليها وهو – وفقا لاعتمالات المشهد – أصغى جيدا لمنطقها والتزم انتهاج السبل المعبرة عنها.. لكن هل صار السيسي بنموذجه المبهر عنوانا لاستدراجنا مجددا إلى شراك الثكنات لندخل إثره دوامة الصراع مع حقب الجنرالات وتراثها القديم الجديد في السلطة والتسلط..
الحق والحق يقال أننا أحوج ما يكون لقراءة الأوضاع الراهنة في هذا البلد العربي العزيز قراءة موحية تتجاوز الوقائع اليومية ومقتضيات الظرف الانتخابي وعوامل الصراع الداخلي إلى أصغر طاولة أممية تمنح نفسها مشروعيات التدخل في شئوننا العربية وتستدعي شغب القبائل الحزبية في شرقنا الجريح لتعيد صياغة مفرداته مرة على شاكلة بؤر جاذبة توفر مبررات التدخل وحينا على هيئة أصابع ديناميت تجرد الأمة من ثوابتها وطورا بشكل جينات مهجنة وجماعات تلبس قفاز الغيرة على الأديان والأوطان لتعمل خناجرها في شعوبنا قتلا وتدميرا وتستمرئ خداع البسطاء بأطواقها الجاهزة للنجاة من النار والفوز بعروض الحور العين فيما لا تتورع عن اغتصاب حصة الآخر من حقوق الحياة وضروراتها المعيشية وعندما نقتفي أثارها ونعاين ممارساتها يدركنا الذهول إذ تستمرئ الدين والوطنية ضمن أسماء وعناوين ما نزل بها من سلطان وهي في أغلب حالاتها إما خليط مركب من رواسب تخلف ذاتي يسم مجتمعاتنا أو نتاج استثمار استعماري خارجي يبحث عوامل الصراع السياسي والمذهبي في كل بلد ويقف ويشرف ويمول الدراسات المعمقة عن بواعث الانقسامات العربية العربية وصولا نحو مخزون هائل من المعلومات التي تمكنه من تحقيق أهدافه بأريحية لا مثيل لها سوءا ولا نضير يعادلها جشعا واستغلالا وهمجية.
كثيرا ما تطلعت شعوبنا لتوجهات عميقة تقيم أداء النظام القومي العربي الذي ما برح يمثل بالنسبة للمد الاستعماري عجينة رخوة يشكلها الغرب على أي صورة شاء ولا غرابة والحال ذاك أن يتراجع دور المعرفة ويبخس ميزان العقل وتغيب قيم الإنتاج وتخفت ثقافة الانفتاح لتسود مكانها لغة التطرف والنبذ وبهذا ولا شيء سواه تغدو حياة الأمة ملهاة مكتملة يتوزع العرب فصولها ويتساقطون في هاويتها.. ولئن بدت مظاهر الغبطة على ملامح القاتل أو الممول!! فإنهما لا ريب سيدفعان إلى المصير ذاته لكأن الأمر خطام واحد تتداوله نوق قطيع مغمض العينيين!
على أن وتيرة التنافس الانتخابي المصري وهي تشغل الناخبين بهرطقات العناد السياسي فإنها بالمقابل لا تضيف إلى رصيد التيار الناصري جديدا مثل تأكيدها على حاجة هذا التيار إلى مراجعات تؤصل ارتباطه بالخط النضالي التحرري القومي للزعيم الخالد بدلا عن استخدام برواز الصورة المشرفة لمصالح حزبية تؤثر السلطة على الوطن وتقدم فنطازيا الظهور على موجبات التلاحم في مواجهة أعاصير تحني الهامات وتقصم الظهور.
عناد السياسة أوصل جماعات العنف إلى السلطة ومنح الخارج أوراقا تنسف بهاء الربيع وعدالة ثوراته.. وتحديدا كان هذا كلما فعلته قوى الحداثة خلال الانتخابات الرئاسية المصرية الأولى بعد الثورة فيما كان المفترض بمن شاركوا في المعركة الانتخابية الأولى الإفادة من الدرس السابق لا نسيانه لمجرد الرغبة في إثبات الوجود مع أن متاحات المشاركة السياسية الوطنية أكثر رحابة من التهيؤات العدمية المحصورة على نافذة واحدة!! وبوصفنا عربا تهمنا مصر.. وتؤرقنا أحداث مصر.. ونفرح لمصر.. ونشتكي ذيول التأثير الإخواني المصري على تطور واستقرار بلداننا فلا مندوحة من النظر إلى معطي