ليس رفضا لخيار الأقاليم ولكن مساهمة في ترشيده(2-5)
د.عبدالواحد العفوري*
الملاءمة والفعالية
بعيدا عن الملابسات المشار إليها في الجزء الأول من هذه التناولة نجد من المفيد أن نتذكر وأن نتساءل متى أصبح خيار الدولة الاتحادية “جاذبا” بالنسبة لنا كيمنيين¿ ثم هل هناك من ينكر أن خيار الدولة الاندماجية البسيطة كان خيارا جاذبا في 22 مايو 1990م¿ يعني بصريح العبارة ألا ترون (من خلال الدروس المستخلصة من التجارب السابقة) أننا ميالون إلى إفساد الخيارات المتاحة أمامنا فيما يتصل بمواجهة التحديات التي تعيق تقدمنا إلى الأمام من خلال أولا: عدم الدراسة المستفيضة لمدى ملاءمة أي من الخيارات المتاحة لظروفنا الذاتية والموضوعية (من ضمنها القدرات والموارد ) القائمة وثانيا: وقد يكون أهم من أولا من الناحية التطبيقية المباشرة ويتصل بدرجة فعالية أسلوبنا – طريقتنا في التعامل (المدخل-المنهجية) مع هذه الخيارات ¿ أليس هذا هو ما عملناه بالأمس القريب مع خيار الدولة الاندماجية البسيطة ثم ألا تلاحظوا معي أنه يتكرر اليوم من خلال طريقة تعاطينا مع خيار الدولة الاتحادية¿ لقد تسببنا في السابق بفقدان خيار الدولة الاندماجية لجاذبيته إلى درجة أصبح معها معطوبا لا طائل من إصلاحه وها نحن “نشرع” في “تخريب” خيارنا الجديد من خلال أسلوبنا الغامض أو المتسرع أو العشوائي أو المضطرب أو المشوش أو كل هذا مع بعض في التعامل مع أخطر معضلة تواجهنا حاليا على الإطلاق (بعيدا عن محاولات التخفيف والتسطيح) ألا وهي قضية الانتقال إلى التأسيس للدولة الاتحادية الجديدة. بصورة عامة من الطبيعي إلى حد ما أن نستجيب للضغوط التي تمارس علينا عندما نكون بصدد التعامل مع قضايا وموضوعات ذات طابع تكتيكي جزئي قصير المدى وحتى متوسط قريب المدى لكن أن نخضع لهكذا ضغوط أيا كان مصدرها داخلية أو خارجية أحادية أو مجمعة واقعية أو وهمية (مفتعلة-مصطنعة) ونحن بصدد التعامل مع قضايا تتعلق إلى حد كبير بوجودنا ومصيرنا وشؤوننا ذات الطابع الاستراتيجي المتوسط والبعيد المدى أكانت أمنية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها فهذا أمر فيه خطورة عظيمة علينا كوطن وكشعب وسيكون له تبعات وتداعيات مزلزلة على مجمل مستقبلنا وسيكبدنا تجاوز آثاره ومعالجة نتائجه – إذا قدر لنا البقاء كما نريد لا كما يراد لنا- خسائر فادحة وأثمان باهظة جدا قد لا نقوى على دفعها.
الوضع الراهن” للدولة ” و”الحكم الرشيد” في اليمن
“الدولة”: تأتي عملية الانتقال إلى الدولة الاتحادية التي يجري العمل عليها حاليا كتوجه للرئيس الانتقالي في ظل ظروف غير اعتيادية حيث تعاني كافة مؤسسات “الدولة ” اليمنية من ترد شامل.. فنحن أمام “دولة رخوة” بكل مايعنيه هذا المفهوم من معاني في أدبيات مراكز الأبحاث والمنظمات المتخصصة في قياس نقاط قوة وضعف الدولة والتحديات التي تواجهها والفرص المتاحة أمامها في أي بلد من بلدان العالم بل إن اليمن كانت قد وضعت منذ العام 2008م ضمن مجموعة الدول الفاشلة فوفقا لمؤشر الدول الفاشلة FSI الذي تصدره مجلة السياسة الخارجية الأمريكية وصندوق السلام ويشمل(168) دولة مرتبة تنازليا بحسب درجة فشلها فإن اليمن أصبحت دولة فاشلة بدءا من عام 2008 حيث كانت في عام 2007م ضمن مجموعة الدول في منطقة حظر التحول إلى دولة فاشلة ثم تدرجت صعودا في سلم الفشل من المرتبة 21 عام 2008م إلى المرتبة 18 عام 2009م إلى المرتبة 15 عام 2010م حتى وصلت إلى المرتبة 6 عام 2013م وأصبح لا يفصلها عن وضع الصومال التي تتربع على رأس مجموعة الدول الفاشلة سوى خمس مراتب (دول) فقط.
الحكم الرشيد: كما أن الأوضاع الراهنة “لإدارة الحكم” في اليمن أبعد ما يكون عن مختلف ركائز وأبعاد وتطبيقات الحكم الرشيد والتي تقاس بستة مؤشرات رئيسية تتضمن مؤشر إبداء الرأي والمساءلة مؤشر الاستقرار السياسي واللاعنف مؤشر الفعالية الحكومية مؤشر الجودة التنظيمية مؤشر سيادة القانون ومؤشر السيطرة على الفساد والتي تجتمع معا لتشكل قوام المؤشرات العالمية لإدارة الحكم (WGIs) الذي دأب البنك الدولي على نشرها سنويا منذ العام 1995م حيث تم إعطاء المؤشرات الستة المذكورة أعلاه درجات تتراوح بين سالب (-) 2.5 وموجب 2.5 (+) ويمثل التقدير السالب وصولا إلى الدرجة 2.5- أردأ الأوضاع لأي بعد من أبعاد إدارة الحكم الذي يقيسه المؤشر العام للحكم الرشيد بينما يمثل التقدير الموجب وصولا إلى درجة 2.5 الوضع الأمثل للبعد الذي يقيسه المؤشر من أبعاد إدارة الحكم المشار إليها. وتظهر البيانات الخاصة باليمن ضمن هذه المؤشر العام أن جميع المؤشرات الستة المذكورة أعلاه ولجميع السنوات