محاولة أخيرة للانتصار على الفساد!!
فتحي الشرماني
كان موضوع تحديد الأقاليم هو الإجراء الأخير الذي كان البعض يزعم أنه سيكون سببا في تفجير عمق الأزمة الذي لم ينفجر بعد, ونسف وثيقة الحوار .. لكن اليوم قضي الأمر وأعلنت مؤسسة الرئاسة عن حل توافقي جديد خرجت به اللجنة المعنية, تتحول من خلاله الدولة اليمنية إلى دولة اتحادية من ستة أقاليم, جرى اختيارها بناء على دراسات وحسابات تراعي مختلف العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إذن نحن متفائلون ما دام التوافق والانسجام هو سيد المرحلة, وشيء إيجابي أن يتعمق اليمنيون اليوم في تجربة التوافق على هذا النحو لأنه من جهة يجسد الحكمة اليمانية ويؤكد مصداقية النبوءة المحمدية, ولأنه من جهة أخرى يعد الطريق القويم الذي يجسد مبدأ الشورى ويؤسس لمستقبل من التنافس الديمقراطي الإيجابي المعزز بالضمير الوطني والإحساس بالمسؤولية.
لا نشك في أن الشخصيات الوطنية الخيرة موجودة في كل الاتجاهات, ولا بد أن نكون معها وبها ومنها اليوم من أجل إنقاذ وطننا مما يحاك ضده من مؤامرات .. وهذا التوافق الذي ابتدأ من لحظة التوقيع على المبادرة الخليجية ووصل اليوم إلى التوافق على عدد الأقاليم يجعل اليمنيين جميعهم أمام ضرورة دعم وتأييد هذا المسار التوافقي وفتح الطريق أمامه لتنفيذ مقرراته, وعند ذلك سيجد عصاة الوطن أنهم عزلوا أنفسهم وأبحروا عكس التيار الوطني وإرادة الشعب.
إن الأقاليم كما هو مرسوم لها ستحقق قدرا كبيرا من التشاركية في السلطة والتوزيع العادل للثروة, ولكننا ننتظر منها – وهذا الشيء الذي لا يقل أهمية عن غيره – أن تكون الحل الأمثل لمواجهة الفساد المالي والإداري المستشري منذ عقود, بعد أن عجزت كل الوسائل والجهات المسؤولة عن مواجهته.
لا بد أن يعي من يتصدر المشهد السياسي والإداري في المستقبل أن نظام الأقاليم من شأنه أن يكون بمثابة استراتيجية وطنية للقضاء على الفساد, لاسيما أن وثيقة الحوار تنص على ضرورة “أن يتم وضع آلية مجتمعية ومستقلة وفاعلة لمكافحة الفساد”, وإلا فإن فئران الفساد ستظل تنحت من ثروات الأقاليم ومواردها كما هو حاصل اليوم, وبالتالي تصبح الأقاليم – كما هي المحافظات الآن – غير قادرة على تحقيق الانتقال المرجو في مختلف القطاعات كالتعليم والتعليم العالي والصحة والكهرباء والمياه والمواصلات وغير ذلك.
المفترض أن يصبح صناع القرار في كل إقليم وجها لوجه مع الشعب, فالجميع يعرف أن المركزية كانت في بعض الأحيان حجة يتذرع بها ويختفي وراءها المفسدون والمتحايلون على القانون, والمتلاعبون بحقوق الآخرين موظفين, أو مستهلكين, أو مستفيدين أو غيرهم, بل إن تأديب من أفسد لا يزال حتى اليوم قرارا مركزيا وإن خيöل إلينا أن أجهزة الرقابة والقضاء في كل محافظة تقوم بالمهمة.
ومن الضروري في ظل الأقاليم أن تعطى مقررات الحوار المتعلقة بمكافحة الفساد جهد كبيرا واهتماما بالغا, فلم يعد من المقبول استمرار أجهزة الرقابة الحالية في أدائها العقيم والديكوري الذي تشكل به عبئا على الوطن والمواطن, إذ لا بد من آلية جديدة تضمن غربلة مؤسسات الدولة ممن ثبت تورطهم في قضايا فساد, وهذا ما تدعو إليه وثيقة الحوار الوطني الشامل.
خلاصة القول: إننا نريد لمستقبل اليمن في ظل الأقاليم أن يكون مغايرا, يتعامل مع جوهر الأشياء لا أشكالها, ويحقق للوطن والمواطن النقلات الحقيقية, لاسيما في التعليم والخدمات, وهذا لن يكون إلا بمنطق وتعامل جديدين مع كل مفسد لا يؤمن بيوم الحساب!!.