الوثيقة لها شعب يحميها!!

فتحي الشرماني


 - نقرأ اليوم ونسمع مخاوف وقلقا يدور حول مستوى تحويل نص وثيقة الحوار الوطني إلى واقع, وهو في حقيقة الأمر قلق مشروع لأنه يستدعي لا إراديا تاريخ النخب السياس

نقرأ اليوم ونسمع مخاوف وقلقا يدور حول مستوى تحويل نص وثيقة الحوار الوطني إلى واقع, وهو في حقيقة الأمر قلق مشروع لأنه يستدعي لا إراديا تاريخ النخب السياسية في مواقف ما بعد التوقيع, فهو تاريخ حافل بخرق بنود الصلح والاتفاقات, والكفران بما التزموا به, ومحاولة الالتفاف عليه.
وفي رأيي أن الظروف اليوم تغيرت, فلم يعد هناك مساحة للمناورة ونحن على مفترق طرق, فإما أن ننجح في بناء دولة ونعيش بسلام, وإلا فإن التاريخ سيطوي صفحتنا, وسنزداد اضمحلالا وتكلسا وانكماشا, ولا عزاء لمن ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة.
قد رأينا كيف أن قوى الشر انتهجت كل أساليب العنف لإيقاف عجلة الحوار .. فخخوا وفجروا وأحرقوا واقتحموا وسفكوا الدماء, وقتلوا النساء والأطفال, الأطباء والمرضى, العجائز والمعاقين, بل إنهم لم ييأسوا, فحاولوا إيقاف حفل اختتام الحوار بقتل إنسان كان ذاهبا إلى التوقيع مبتهجا بما وصل إليه اليمنيون من رقي وانسجام, ومع كل ذلك لم تستطع قوى الشر أن تحول دون أن يخرج الحوار بهذه الوثيقة الجامعة التي هدöيتú فيها الأطراف المتحاورة إلى الطيب من القول, وهدوا – إن شاء الله – إلى صراط العزيز الحميد.
وإن اكتساب هذه الوثيقة إجماع النخب السياسية ورضا الجماهير اليمنية بوصفها مخرجا توافقيا ووسطيا, ثم حصولها على التأييد والمصادقة من مجلس الأمن الدولي, فكل هذا جدير بأن يجعلها نصا لا مناص من ترجمته إلى واقع, سواء بعز عزيز أو بذل ذليل, مهما كانت الصعوبات ومهما كانت التحديات, ومهما بلغ حجم الإعاقات من المعاقين ذهنيا عن رؤية المصلحة العامة لهذا الشعب الصابر والصامد.
وقبل كل ذلك فإن مؤتمر الحوار نفسه بقوامه وقيادته وجهوده وتضحياته لن يسمح بأن تظل هذه الوثيقة حبرا على ورق, وحين أقول (تضحياته) فإنني أقصد ما قدمه هذا المؤتمر من شهداء ميامين في سبيل أن يخرج الوطن إلى نور السلم والاستقرار, وهم شهداء يجسد رحيلهم كل معالم الوحدة والتضحية بالنفس من كل شرائح المجتمع, فنحن نلاحظ أن القتلة أخذوا من شريحة الأكاديميين والقانونيين الدكتور أحمد شرف الدين, وأخذوا من شريحة البرلمانيين والناشطين عبدالكريم جدبان, وأخذوا من شريحة القضاة والمرشدين القاضي عبدالجبار نعمان, وأصرت المرأة على أن تبذل الروح في سبيل هذا الوطن وسلامة مستقبله, فكانت الأستاذة رمزية عباس الإرياني المثقفة والأديبة والمحاورة هي التي اختارت أن تقدم روحها لتنضم إلى صف من ترجلوا من أجل الوطن والحوار والسلام.
ولم تقف تضحيات مؤتمر الحوار عند هذا الحد, فقد تناقلت الصحف والمواقع الإلكترونية خبر مصرع شاب في عشية الاحتفال باختتام مؤتمر الحوار, كان يعمل في أحد الفنادق بصنعاء واستدعي مع آخرين للقيام بعمل التجهيزات في قاعة الاحتفال بالقصر الجمهوري, فقد شاء الله أن تسقط عليه آلة ثقيلة قيل إنها شبيهة بالآلات الرافعة لكاميرات التصوير, فأردته قتيلا, ولذلك فأنا أقرأ في هذه الواقعة التي قدم فيها هذا الشاب روحه وهو يعد العدة ليحتفل اليمنيون بنجاح الحوار الوطني, أقرأ معنى أن يكون كل اليمنيين قد ضحوا من أجل خروج الحوار بوثيقة تحفظ اليمن موحدا ومتعافيا .. وبرحيل هذا الشاب العامل الذي مات مسكونا بفرحة الحوار يكون العمال وغيرهم من البسطاء والغلابى والكادحين قد شاركوا في التضحية بالروح من أجل خروج وطنهم إلى بر الأمان, وهم بذلك يكونون مثل غيرهم من الفئات والشرائح الاجتماعية أكثر إصرارا على أن تجد هذه الوثيقة طريقها إلى الواقع, شاء من شاء وأبى من أبى.
هذا ما ينبغي أن يتمسك به شركاء الحوار لتنفيذ مخرجاته, قبل أن تتمسك به مختلف الجماهير اليمنية المكلومة برحيل شهداء هذه المرحلة, لاسيما شهداء الحوار الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لنجاحه, وإنني على تمام الثقة بأننا مقبلون على دستور يستوعب ما جاء في مقررات الفرق التسع من موجهات أو مبادئ دستورية, وفي سياق ذلك سيكون الوطن ماضيا في إطار تنفيذ ما في تلك التقارير من حلول لمختلف القضايا والمشكلات العالقة مثل قضية صعدة وغيرها من قضايا الحقوق والمظالم, وعلى الله قصد السبيل.

fathi9595@gmail.com

قد يعجبك ايضا