اللغة وعناصر الفكرة

عائشة المزيجي


عائشة المزيجي –
حين تقف مع قصة عادة تستدعي شخصية زمان مكان حدث , وتتساءل عن البداية الوسط النهاية , وحين تفاجأ أن البداية هي نهاية القصة منها يبدأ السرد تهتز لحظات ثم تعاود القراءة , وعندما تبدأ القصة بحوار شخصية منفعلة تضطرب لغيابك عن موقع البداية وتواصل البحث عن فرج وخيط البداية . كل تلك ألاعيب فن القصة التي لا تتوانى في أن تكون متجددة بتنوع أساليبها . كما للقصة أنواع من المتلقين : المتلقي البسيط الذي يفضل الوصول إلى الفكرة بأقرب الطرق ومتلق آخر يعجبه السفر مع زوايا القصة واتجاهاتها , كل ذلك وأداة الأديب اللغة حيث اللغة القالب التي يصب فيه الأفكار .
جديد فن القصة أن تكون اللغة هي الفكرة وليس الوعاء هذا ما استقبلني في مجموعة القاص حامد الفقيه .
قمت برحلة البحث عن عناصر القصة في قصة ( صوت النيل ) وجدت المكان هو البداية والوسط والنهاية , المكان الشخصية ( يأتي كبير الوادي فوق قاربه ) ولم يسبق الشخصية إلا التراب والشمس الصخور والشاطىء ( يهيج عجز النهر يصفر لأنسام الجنوب ) , أما الزمان فغاطس في دور الزمن الرؤية ( يأتي المساء ويعود إلى رحله المظلم الذي عشعش فيه دخان أسود ) , أما نهاية القصة فلغة المكان ( لا شمال لاجنوب لا جنوب لا شمال ). بعميق التأمل تتمكن لا من استخراج صوت وحركة لغير الطبيعة , أما أقصوصة ( رهبة الألم) فاللغة هي القصة مع اللغة الوصفية المستهل بها القصة ( الليل حنين فجيعة وأنين يحوي في جعبته أسرار سوداء وفجائع لا تكترث لدموع تجرف كيان الآمنين ) اللغة وجهة نظر متقدمة عن لون الحدث , حتى النهاية توظيف دور اللغة مشارك في صنع القصة تأمل النهاية ( وما زالت عيني تتابع أحرف الألم المتناسلة) فالنهاية مع لفظة ( المتناسلة ) استمرار للقصة .
أقصوصة ( شلال القش ) مفردات الطبيعة المستهل بها القصة ( أصوات العصافير تتسلل إلى مسامات روحها ) لنكشف فيما بعد عن بطلة القصة وهي المرأة واحدة من النساء في عمر الشباب كما يستلهم من القصة فاللغة معادل لرسم الشخصية , أما أقصوصة ( مسافر رقم 21) وموضوع صاحب الكلمة والقلم فقد تبنت اللغة إيجاز مضمونها في الاستهلال ( على حافتي الورقة يسيطر على اللون الأبيض وما سواه سواد قاتم ) مع حجز شخصية القصة (فريد النخبي ) بين بياض رغبته وفضاء أسود هو لون مقاومة وجوده وقلمه من الوسط الخارجي .
أقصوصة ( رصيف الانتظار ) اللغة المشتقة من الطبيعة صانعة لأحداث القصة وهي تزامن تحركات الشخصية وتختلط بأفعالها بل وتزيد تصرفات اللغة والطبيعة عن تحركات الشخصية تأمل الاستهلال ( كانت أمواج البحر تلطم خدود الشاطىء خجلا , يتخلل أصابع أقدامنا رمل جاف ..إلخ) ( على وقع خطواتنا في بساط أخضر تنسنس فيه أنسام العذارةوتموسق الرياح ألحانها على أفنان البيلسان ..) ( احمرت السماء حياء وتكاثفت لسعات البرد على أطراف فتنتك) ( يتخاتل القمر من بين جدائلك ) حتى النهاية لم تترك اللغة فيه شخصية القصة ( وكان الخريف واقفا على الأبواب , أما أنا فأقف على رصيف الانتظار) صوت النيل ورصيف الانتظار أكدتا بتوظيف اللغة أن الشخصية في العمل الأدبي ليست تلك التي تملك دما وجسدا وإنما هي مصنوعة من ورق يمكن اختيار جنسها ولونها بالطريقة التي يراها القاص وحتى الشخصيات المسماة في أي قصة أخرى لا روح لها سوى روح الكاتب التي تنفخ فيها روح . وتلك ألاعيب اللغة إلا أن شخصية صوت النيل ورصيف الانتظار اللغة وأسلوب التصوير قد ضاعف من عدد الشخصيات الأحداث والرؤية لها .
أصل إلى أن اللغة كانت في قصص الكاتب ثم كانت الفكرة والقصة وليس العكس عناصر القصة ثم اللغة لذا أنت تحتاج إلى عدة قراءات كي تفرد عناصر القصة من بين أحرف وجمل وفقرات . أسلوب القاص هذا ربما كان نابعا من رؤية أن فيض الأفكار لديه لا تفي بها الألفاظ المصاغة من أسلوبية اللغة المماهية للواقع التي من خلالها يستطيع أن يستشف الواقع من أول قراءة ووهلة وذاك ليس تعجيزا للمتلقي وإنما هي أخذ المتلقي إلى تحركات عناصر مصحوبة بانفعالات محرقة من ناسج تلك اللغة .
قصد اللغة في هذه الورقة الاختيار والطبيعة التي اجتزأت منها , التصوير الذي وضع لها أسباب الحياة مماهاة بإنسان الواقع , الاستفهامات التي رآها القاص بؤرة بعض قصصه مثل ( صوت الملح) ليوثق ربطه بالمتلقي بطلقات استفهامه مستميتا في الوصول إلى إجابة وهو يثبت الوطن في قيمه .
اللغة حروف وجمل وعبارات تصنع قرار المتلقي تجاه ما يقرأ . لذا كان أدب الطفل صياغة تبني مستقبلا .

قد يعجبك ايضا