المشكلة ليست في (النص)..!
فتحي الشرماني
تسنى لي أن أحضر إحدى الندوات التي يقيمها ناشطون حقيقيون وقضاة ومحامون بالتنسيق مع أمانة مؤتمر الحوار الوطني لتعريف الشرائح الاجتماعية بما أنجزه المتحاورون على صعيد الحقوق والحريات, وفيها استمعنا من أحد المتحدثين إلى سرد لبعض الموجهات الدستورية التي حملها تقرير فريق الحقوق والحريات.
وكانت مداخلتي حينها تتمحور حول أن هذه الموجهات وإقرارها جاءت حصيلة جهد ونقاش وتحليل, وكل ما خرج به المتحاورون من قرارات وتوصيات يشكل ثروة فكرية كفيلة بمعالجة كل إشكاليات الحاضر والمستقبل – وإن كان أبرز ما قام من أجله هو إيجاد حل عادل للقضية الجنوبية واختيار شكل جديد للدولة ومعالجة قضية صعدة – لأنه حوار ذو صبغة وطنية فرضته الحاجة, ولأنه حوار تشاركت في تسييره عقول من مختلف التخصصات والاهتمامات والنشاطات ولأنه – أيضا – حوار شامل لكل ما يهم الإنسان اليمني والدولة اليمنية.
ولكن فيما عدا تلك المشكلات البارزة هل يمكن القول: إن الدولة اليمنية كانت تعاني فقرا في النصوص والقوانين, أو تعاني تخمة في النصوص مع شحة في دلالاتها وركاكة في تراكيبها, وهذا هو جوهر المشكلة¿
ليس من شك أن لدينا نحن اليمنيين حصيلة قانونية ومنجزات تشريعية وافرة .. وإذا كان فريق الحقوق والحريات قد وضع بعض الموجهات التي قال: إنها استكمال للحقوق والحريات فإن عدم وجود نصوص محددة تحمل بعض الحقوق أو الحريات لا يعني غياب الاعتراف بهذه الحقوق والحريات, بل إننا لن نعدم في دستور دولة الوحدة مبادئ دستورية عامة تشتمل على هذه الحقوق والحريات ضمنيا.
وإذن, فما المشكلة وأين تقع¿
إن المشكلة ليست في لغة النص ولا في عدم وجود النص, وإنما في (الناص) حين يعجز عن تطبيق النص الذي كتبه, وهنا نكون أمام أزمة دولة .. تلك الدولة التي ينبغي أن تتحرك تفاصيلها اليومية بوحي من الدستور والقوانين النافذة, بما في هذه الدولة من مؤسسات وأنشطة يسيرها القانون ويحكم قبضته عليها لا المزاجية ولا العشوائية ولا العدمية والعمى في ترك العمل بما في الدستور ونسيان ما تتضمنه القوانين حتى أصبح بين القانون والواقع فجوة تزداد اتساعا كل يوم, وبالتالي شعور بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها بصعوبة تطبيق القانون.
في هذه الحالة لا ينبغي أن نقول كما هو شائع: إن القانون يتعرض للانتهاك, إذا ما رأينا حالة فساد أو ارتكاب خطأ ما ..لا نقول ذلك لأن القانون في حقيقة الأمر لم يدخل في حسابات من أفسد أو أخل بعمله, وحتى إذا ما وجدت المؤسسة الحقيقية ووجد النظام الذي تحتكم إليه فعندها سيكون للقوانين هيبتها وفاعليتها لأن من يخل بالقانون يكون قد أخل بالنظام, وإخلاله بالنظام يعني تعرضه للمساءلة وتلقي العقوبة, ولعل هذا هو السر في أننا نقول: (النظام والقانون) وليس (القانون والنظام) لأن الأمر يتطلب في البداية وجود مؤسسة بنظام وفي إطار نظام سياسي معين, إلى جانب سلطة قضائية مستقلة, ثم يأتي المشرع ويعطي هذه المؤسسة القوانين لتطبيقها.
على العموم: إن جوهر الإشكال هو الإنسان وليس النص, فالإنسان هو الذي يخل بسير العدالة, والإنسان هو الذي يتخاذل عن إيجاد الدولة, والإنسان هو الذي يسلم قياده لأهوائه ورغباته ومصالحه الذاتية, متنكرا لمصلحة الوطن الذي يطمح إلى النهوض.
ونحن نريد بهذا القول ضرورة أن تعي النخب السياسية والثقافية أن وجود الدولة التي تهيمن على الجميع بات أمرا ملحا, فبوجود الدولة يمكن القول: إن التشريعات التي تسن تجد طريقها إلى التنفيذ .. وجملة مقررات فرق مؤتمر الحوار الوطني ستظل مرجعا لصناعة المستقبل النموذجي الذي تراعى فيه مختلف الحقوق والحريات, لكن ينبغي لتحقيق ذلك أن تتضافر النخب السياسية والاجتماعية من أجل إفساح المجال للدولة أن تولد من جديد, ويعلو صوتها على صوت الجميع, فالحقوق والحريات لا يرعاها أحد غير الدولة.