نجاح الحوار.. دلالاته ومعانيه

المحرر السياسي

 

 

 

 

مقالة


 - تكلل مؤتمر الحوار الوطني الشامل بالنجاح الباهر وابتهج اليمنيون أمس لهذه المناسبة الكبيرة بحضور أشقائهم وأصدقائهم بحفل تاريخي عظيم كان أكثر من ناجح وأكث
تكلل مؤتمر الحوار الوطني الشامل بالنجاح الباهر وابتهج اليمنيون أمس لهذه المناسبة الكبيرة بحضور أشقائهم وأصدقائهم بحفل تاريخي عظيم كان أكثر من ناجح وأكثر من مدهش إذ عمت أجواءه نشوة الانتصار والزهو مرتسمة على قسمات الوجوه التي تعي جيدا حجم الإنجاز وأهميته كما تعرف الكم المهول من الصعوبات التي اعترضت طريقه بامتداد الأشهر العشرة الماضية وكيف تمكن المتحاورون من مغالبتها وتجاوزها بروح الإصرار والإرادة التواقة إلى يمن جديد.
فلم يكن أبدا نجاح هذا الحوار التاريخي حدثا اعتياديا ولكنه إيذان بمولد وطن أزهى وانبلاج فجر أرغد إلى جانب ما يحمله من دلالات كثيرة ومتعددة من أهمها أن الوطن الذي طحنته الأزمات المتتالية وحاصرته الأوجاع بامتداد تاريخه المعاصر استطاع أخيرا أن ينتصر لمستقبل أبنائه من خلال المخرجات الجوهرية التي توصل إليها المتحاورون لتشكيل مستقبل الدولة الوطنية على أسس من العدل والمساواة والشراكة في المسؤولية والسلطة والثروة.
كما يعني نجاحه أن الأطراف والقوى السياسية تمكنت أخيرا وبعد ردح من التخبط والضجيج غير المثمر من أن تتغلب على إخفاقاتها المتتالية وأن تكتسب عقيدة جديدة تستند إلى آلية ناجعة وأقل كلفة مكنتها من طرح تصوراتها وتقديم مشاريعها بعيدا عن آليات القهر والمغالبة والاستقواء على الخصوم وذلك هو جوهر ما تعنيه فكرة الحوار المجتمعي النموذجي والمستوفي لأركانه الموضوعية حيث يقف الجميع عند خط واحد من القوة تكون الأفضلية فيه فقط لمصداقية الطرح ودرجة الإحساس بالمسؤولية الوطنية.
وهذه الدلالة هي ذاتها التي حرص الرئيس هادي على إيرادها في سياق خطابه أمس عندما أكد أن تجربة الحوار الوطني كانت مدرسة في الأداء والإنجاز وتعبيرا واضحا عما يمكن لليمنيين القيام به إن صدقت النوايا وتوافرت الأجواء الصحية للعمل.
وإذا كان واردا أن كثيرا من عامة الناس وحتى من خاصتهم لا يدركون ما يعنيه هذا النجاح للحوار في بلد مثل اليمن ولا مدى أهميته في سياق العملية الانتقالية باعتباره ركيزتها الأساس التي يقوم عليها فعل التحول والتغيير وإغلاق ملفات الماضي الأليمة فإن هذا الإدراك يبدو محسوسا وأكثر تجليا لدى المجتمع الدولي وذلك ما أفصحت عنه كلمات ضيوف الحفل من الأشقاء والأصدقاء بما حملته من معاني الإعجاب والإطراء والإشادة بهذا المنجز المدهش الذي اختطته إرادة اليمنيين بالتوافق والوفاق.
ولعل الأهم من كل ذلك أن هذا النجاح الذي جاء بعد أشواط ماراثونية من الجهود المبذولة والمخلصة ووسط جملة من التحديات والعقبات الطبيعية والمفتعلة يعني في أعمق دلالاته أن اليمنيين نجحوا في سحب البساط تماما من تحت أقدام كل القوى المتربصة بأمن اليمن ووحدته وأرضه وأحبطوا من خلاله أي منطق أو ذريعة للمشاريع العدمية والواهمة التي تحاول تلك القوى أن تتسول بها سواء في الداخل أو الخارج خاصة وأن مؤتمر الحوار كان قد فتح أبوابه مشرعة لكل الأطراف والقوى دون استثناءات ولا تحفظات وتحت سمع وبصر العالم أجمع.
وذلك يعني بعبارة أوضح أن مستقبل البلاد تم حسمه عبر الحوار بشكل نهائي ورسمت له خارطة واضحة المعالم لا لبس فيها ستترجم دستوريا وقانونيا وبشهادة المجتمع الدولي والجوار العربي والإقليمي ومن يحاول الآن أو لاحقا أن يشكك فيها أو يتراجع عنها أو ينكر مشروعيتها فلن يظفر بغير الخسران المبين وبالاستهجان محليا ودوليا مهما بلغ حجم الهذيان الذي يسوقه أو البكائيات التي يتضرع بها في سبيل الإقناع بمشروعه الضيق ومخططاته الارتكاسية.
وكما أكد خطاب الرئيس هادي فإن مخرجات هذا الحوار لا يمكن لها أن تظل حبرا على ورق كما يتخوف بعض المتشائمين ويستحيل أن تفرغ من مضامينها أو يتم الالتفاف عليها كما هو الحال مع المنظومة الوطنية التشريعية والقانونية القائمة وذلك لأن الإرادة السياسية تغيرت ولا يمكن في ظلها استنساخ أخطاء الماضي وخطاياه مجددا إلى مستقبل اليمن الجديد.
وليس من نافل القول أن نذكر كل الأطراف السياسية والقوى المجتمعية أن طي صفحة مؤتمر الحوار وابتهاجنا بالوصول إلى توافق وطني شامل على طاولته بشأن المستقبل لا يعني نهاية الطريق بل الخطوة الأولى على طريق التأسيس لليمن المغاير والحديث وذلك يستلزم حرص الكل على المضي قدما في هذا المسار بصدق ومسؤولية في سياق الشراكة الوطنية بعيدا عن أساليب الكيد أو استحضار إحن الماضي وضغائنه لأن صناعة غد البلاد المشرق لن تتم إلا بالجميع ومن أجل الجميع.

قد يعجبك ايضا