شاعر »أمزخم« أحمد سليمان
عبدالرحمن مراد

مقالة
> يظل الشاعر أحمد سليمان نسيجا لوحده وظاهرة لا يمكن أن تتكرر فحضوره الجماهيري لا يقل شأنا عن ذلك الحضور الذي يشكله كبار الفنانين في هذا الوطن بل يكاد يفوقهم فأحمد سليمان قصيدة موازية لقصيدته إذ لا يمكن الفصل مطلقا بين النص وصاحب النص هناك ظاهرة عجيبة يتكامل فيها الشاعر مع نصه ليبدع نصا جماهيريا تفاعليا ذا أثر بالغ ومتعدد في وجدان المتلقي عرفت الشاعر أحمد سليمان منذ زمن بعيد ولم أجده إلا محاطا بهالة جماهيرية بديعة فهو قد يقيم فعالية في كل مكان يرتاده في الأسواق والشوارع والمقايل العامة والخاصة أينما كان أحمد سليمان كانت هناك القصيدة وكان هناك «أمزخم» و«مفل» و«مورد» و«محب» و«مسلام» وكأنه رسول محبة ورسول سلام يتحرك بالجمال في كل مكان وينثره على الناس في كل مكان لا يستنكف أن يكون جوالا تحمله أجنحة القصيدة وتنثره معاني الحب والسلام والخير والعدل والإنسان بكل معاني إنسانيته كما جاءت من الأنبياء وكما قال بها الفلاسفة والمفكرون الكبار تتحرك تلك الأفكار ببساطة أحمد سليمان وأريحية كلمته التي تخترق الأسوار لتصل إلى قلوب الناس فتراهم كالفراشات التي تحوم حول القناديل المضيئة.
صباح الخميس 9 / 1 / 2014م وبتنظيم من مؤسسة سبأ للتنمية الثقافية التي يديرها الشاعر والصديق الرائع دوما محمد القعود وقف أحمد سليمان واستوقف في ميدان التحرير بصنعاء ولم يكن إلا هو تفردا وحضورا وإبداعا ونفاذا إلى قلوب الناس البسطاء قبل غيرهم كان حضوره في ذلك المكان بما يحمله من رمزية ثورية ورمزية تحررية وبما يرتبط به من أحداث بمثابة يقظة جديدة لصرخات الحب وصرخات الورد والجمال والحق والسلام بعد أن كاد الإنسان يصل إلى حالات التوحش بما يتواتر على كونه النفسي والاجتماعي والثقافي من مشاهد الموت والاغتيالات والحروب والدمار لقد غرد أحمد سليمان في ميدان التحرير ضد هذا الدمار النفسي والثقافي والسياسي وحلق في فضاءات «أمزخم» والجمال والعدل والسلام فهو يرى أن الحب هو الحياة نفسها وبدونه تصبح خرابا ودمارا ولذلك وهب حياته كلها لإشاعته بين الناس فهو يبني أعشاشه كالعصافير في نفوس الجماهير ولا يتوانى ولا يكل أو يمل وهو يطوف ويجول ربوع ونجود ووهاد وسهول اليمن باحثا عن النفوس العطشى الظامئة لمورده العذب حتى تخضر بتلك الكلمات التي تفردها عيون قصائده وروحه العامرة بالحب. أحمد سليمان ظاهرة إبداعية متفردة لا تقل شأنا عن ظاهرة أحمد فؤاد نجم بمصر إنه نسيج وحده ورسالة إبداعية تعيد ترتيب النسق الإنساني في الذات اليمنية خوفا أن تذهب إلى أخلاق الغابات وقيم الصحراء بما يترسخ في وجدانها من المشاهد المؤلمة التي تبثها الفضائيات كل يوم وكل حين ودقيقة.
حين كنت أصيخ السمع لجمهور أحمد سليمان في ميدان التحرير بصنعاء كنت أشعر أن حمما من الآهات تخرج من تلك الصدور الصدئة وتحل ورود ورياحين وعذوق الكاذي وباقات النرجس التي يطلقها أحمد سليمان محلها ثمة من قال همسا في ذلك الصباح الندي: لقد أعاد لنا هذا الشاعر الروح التي حسبناها لن تعود لنا.. لقد تميز الشاعر الندي والجميل أحمد سليمان كعادته .. أشعر أن حاجتنا إليه كبيرة في هذا الزمن المتوحش الذي ينفق المليارات في أدوات الدمار ويعجز عن علاج مبدع بدراهم معدودات وأحمد سليمان واحد من أولئك.. تحية لروحه وإبداعه المقاوم لعوامل الفناء.