ما أطيب رائحة الدولة..!

فتحي الشرماني


 - هناك جملة مؤثرات تضافرت في القضاء على هيبة الدولة في السنوات الأخيرة, لاسيما العامين المنصرمين .. من هذه المؤثرات – وليس كلها - ما كان ضروريا لمرور المرحلة الانتقالية بسلام وإنجاح مؤتمر الحوار الوطني, فقد كان قلب (الدولة)
هناك جملة مؤثرات تضافرت في القضاء على هيبة الدولة في السنوات الأخيرة, لاسيما العامين المنصرمين .. من هذه المؤثرات – وليس كلها – ما كان ضروريا لمرور المرحلة الانتقالية بسلام وإنجاح مؤتمر الحوار الوطني, فقد كان قلب (الدولة) في كثير من الأحيان يبدو واسعا أمام كثير من مظاهر الاستفزاز التي تستثمر الوضع لتنفيذ مخططات تهدف إلى إدخال الوطن في فوضى وانفلات يصعب معهما العودة, لكن الدولة في هذا التصبر دفعت الثمن من هيبتها وهيمنتها على الجميع, حتى تجرأ عليها كل طامع ومارق وحاقد وسخيف .. وأخذوا يسومون مصالحها ومؤسساتها والقوانين والأنظمة التي ترعاها سوء العذاب.
ووجدنا كيف أن الدولة حين تفقد هيبتها وهيمنتها تحاول الحرب أن تطل برأسها, وتكثر الأطراف التي ترغب في إشعالها أو تغذيتها لأن الدولة حينئذ تفقد القدرة على الإقناع, وتضيع من يدها الأوراق التي يمكن أن تضغط بها, وبالتالي تخرج الأمور عن سيطرتها وتصبح هي نفسها مستضعفة من جملة من تستضعفهم القوى غير المتعايشة مع فكرة الدولة, وإن اضطرت إلى التعامل معها بوصفها أمرا واقعا.
لكن من الطبيعي أن يظل إحساس الدولة بنفسها مستمرا, ووعيها بالوظيفة التي ينبغي أن تقوم بها والمكانة التي ينبغي تنالها, ووجود هذا الوعي من شأنه إذا ما وجدت الجهود المخلصة أن يقود الدولة إلى استعادة هيبتها وهيمنتها على الواقع بحيث تصبح كالشمس حين تدور حولها الأفلاك في مسارات محددة.
وللحقيقة فإننا اليوم نشهد نشاطا مكثفا بدأنا نشتم منه رائحة الدولة .. هناك جهود وخطوات فاعلة تسعى اليوم لتذكير كل القوى المتنافسة أو المتصارعة بأن هناك دولة لا مناص من إحيائها وسماع صوتها لأن عودتها إلى الواجهة ستحقق مخرجا للجميع, ولا حل لمشكلاتنا كلها إلا بعودة الدولة وهيمنتها وهيبتها.
معلوم أن الدولة تعني وجود مؤسسات حقيقية, لكن أقول: إن السعي الدؤوب لحل المشكلات من خلال لجان رئاسية تعمل بجد وإخلاص وبإشراف مباشر من رئيس الجمهورية يعد خطوة مهمة على طريق عودة الدولة للإمساك بزمام الأمور وفرض الحلول وقول الكلمة الفاصلة التي تراعي مصلحة الشعب .. هناك لجان رئاسية في الجوف وفي حجة وفي صعدة تعمل على إيقاف إطلاق النار هناك, واستلام المواقع القتالية من الأطراف المتنازعة لتحل فيها قوات حكومية, وستظل هذه اللجان تراقب من سيخرق الاتفاق لتتخذ الدولة منه موقفا جديدا .. وفي حضرموت لجنة رئاسية ستعمل بجدية وبرعاية مباشرة من رئيس الجمهورية لتنفيذ المطالب الحقوقية العادلة لأبناء حضرموت, وعلى السياق نفسه لا تزال لجنتا معالجة قضايا الأراضي والمبعدين قسريا تسير في أداء مهامها وتتخذ القرارات التي وجدت طريقها إلى التنفيذ بقرارات جمهورية صدرت قبل عدة أسابيع, ولاتزال هناك معلومات رسمية بأن هناك قرارات أخرى سيتم الإعلان عنها في الأيام القادمة لمعالجة قضايا المظالم الجنوبية.
المهم أنه من الجميل والمفرح أن يكون هناك قول يتبعه الفعل, وأن تكون هناك إرادة سياسية لإعلاء صوت الدولة من جديد, خصوصا بعد أن ترك الشعب لوحده, ووجدت كثير من النزعات السلبية طريقها إلى واقع الحياة, وأصبحت كثير من الجماعات على استعداد لحمل السلاح وسفك الدماء, أو لإشعال نار الفتنة والكراهية.
وجميل أيضا أن تعي الدولة ذاتها وما يدور حولها في الوقت الذي وعى الشعب وجميع الأطراف المتنازعة حاجتهم لوجود الدولة, وحتمية أن تكون الدولة هي سيدة الموقف وصاحبة الكلمة المسموعة لدى الجميع, فالقبيلة اليوم تبحث عن الدولة, والأحزاب تبحث عن الدولة, وأصحاب المظلوميات يبحثون عن الدولة, وعامة الشعب بحتú أصواتهم في السنوات الأخيرة وهم يبحثون عن الدولة.
ونحن نقول: إن على الدولة اليوم أن تواصل خطواتها لإعادة تموضعها في واقع الناس ومواقفهم الخلافية, بما يضمن استعادة هيبتها وكبحها جماح أي طرف لا يزال مصرا على تهميشها وإقصائها, فلا مستقبل كما ينبغي إلا بالوجود الفعلي للدولة .. لا بد أن نكون أمام دولة قوية تستطيع إدارة تكوينها الاتحادي الجديد بنجاح.

fathi9595@gmail.com

قد يعجبك ايضا