على طريقة الثورات

جمال حسن


 - "للناس طباعا لا تغيرها الثورات مطلقا" يتحدث احد شخصيات رواية الآلهة عطشى للفرنسي الحائز على نوبل اناتول فرانس. تتناول الرواية فترة الثورة الفرنسية وبالتحديد المرحلة المباشرة المعروفة بحكم اليعاقبة عندما أعلنت المقاصل عن
“للناس طباعا لا تغيرها الثورات مطلقا” يتحدث احد شخصيات رواية الآلهة عطشى للفرنسي الحائز على نوبل اناتول فرانس. تتناول الرواية فترة الثورة الفرنسية وبالتحديد المرحلة المباشرة المعروفة بحكم اليعاقبة عندما أعلنت المقاصل عن سيول دماء باسم المحاكم الثورية فاستبدل الأحرار رداء السلطة القمعية للنظام القديم بجموح الثورة. وكانت الجماهير مستعدة لمباركة الموت لمجرد الشك بأدنى جريمة كالسرقة لمجرد ان تتفق الجماهير تلقائيا برجل مذنب تحت مسمى راهب او احد عملاء الملك أو طبقة الإقطاعيين. ولأن الثورة مكتظة بحماسة العدالة تعلن عن الزاوية العمياء لاستبداد يعلن عن نفسه بدور الفضيلة والحرية.
يتحدث “جاميلان” الشخصية الرئيسية في الرواية بأنه لا يبارك الدماء فالجمهوريون حساسون لكنه يعتقد أن المحاكم والإعدامات ضرورة حتى “يهلك آخر أعداء الجمهورية” لكن الآلهة عطشى ولن يتوقف جوعها لقرابين الدماء فما اعتقده بالمقصلة كإنقاذ وطني كان جبروتا دمويا أعمى. وعندما نطلق العنان للانتقام فإن الآلهة لا تروى تحت أي مبرر يتعطش العقاب ويسيل العماء مع أكوام الرقاب فمحاكم التفتيش المسيحية الباحثة في خبايا النفوس عن المهرطقين يمكنها ان تكون محاكم ثورية. تتغير شكل الايقونات فيتغير إله الرحمة المسيحي بإله الثورة الرحيمة. سنرى الرحمة أكثر سمنا عند مذابح العقاب والقرابين. كذلك قامت ديكتاتورية البروليتاريا على تخليص عالمها من كل برجوازي لكنها كذلك أفلتت العنان لجشع الانتقام. لا يتعلق الأمر بمهاجمة فكرة ما ثورة أو اتجاهات فكرية بل النزعات البشرية التي ترتدي الأفكار الطباع التي لا تغيرها الثورات فتكون تفاصيل أو ما نسميه أخطاء طارئة.
لم يكن الفنان الشاب انتهازيا وصوليا يبرر لعصر الإرهاب الثوري. بل مثل حماسة المؤمن العمياء فأسقط الحب على إيمانه وعندما اعترفت محبوبته بأنها تعرضت لخديعة من عاشق سابق محته من عقلها أراد اعترافها أن يتوقف عند فضيلة الصدق فيما عاطفته انتفضت بالنزعة المبجلة للانتقام محاكية كل أشكال الثورة وعقابها. فالعاشق الغادر هو أيضا احد عملاء الملكية ويستحق الموت لتنظيف الجمهورية الوليدة. والحب مثل الفن إذا استولت عليه الثورة أو الفكرة مسخته.
بدايات الثورة نوع من المراهقة الباطشة. بعض الثورات تميعها التقلبات وشوائب الدس فيكون المتسلل الأكثر قدرة على زرع الأهداف ولا حكم في لعبة بلا قوانين. أما إذا ارتدت إلى نزوع محبط فكم ستكون لعبة بلا هوية. فرنسا ما بعد الثورة كانت أكثر رعبا وجوعا. والمأزق الأكبر في ثورة اليمن هو حالة إحباط تريد إعادة النظام السابق أو شكله. لماذا¿ ربما لأن المهيمن على السلطة هو شق شارك في الحكم بل هو الشق الأكثر قسوة. لكن لا حلول في العودة للوراء لأن العائد سيحتاط بالنقمة. هل هي ثورة مغدورة¿ في جانب منها بلى. مع ذلك مازال جانبها غير المغدور قائما لكن أسوأ ما فيها حماقة المتطلعين. فالثورات عرضة لحماسة الأكثر حماقة والأكثر تصنعا. إنها شكل لا يمكن تحديد معاييره بل موجة هائلة قادرة على تجميع أكثر الشوائب انزعاجا. لنتصور ثوري يمني على طريقة شخصية “الآلهة عطشى” على الأقل لن يرى معشوقته ضحية بل متهتكة وسيعاقب محبوبته أكثر من الغادر. أي أن الناس يحاكمون الثورة أكثر من محاكمتهم منتهكيها. كذلك فالتفاوت يروي عن عصرين مختلفين عصر الثورة الفرنسية وما تلاها من رومانتيكية مثلتها عاطفة الفتاة وعصر من التخبط.
عندما حدثت الثورة الفرنسية لم تكن كذلك قوى الثورة منظمة لكن شرعت تغيرات في الإنتاج تفرض نفسها على المجتمع ومع الثورة الصناعية كان عصر رأس المال يهيمن على مسرح أوروبا وأمريكا. تشكل رواية التربية العاطفية لفلوبير واحدة من أكثر الأعمال الأدبية تجسيدا للطبقة البرجوازية أما البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست حللت الطبقات وفق التداخل فبعد أجيال من الثراء تكتسب العائلات السمات الارستقراطية. واحدة من أكثر إشكاليات الثورة اليمنية عدم وضوحها في كثير من القضايا وأحيانا ارتهانها لطبقة مستفيدة تصفي حساباتها وتراهن على توسيع منافعها. لكن يحمد لها كذلك أنها لم ترفع المقصلة رغم أن مطالب أرادت معاقبة المتورطين بالدم. غير أنها كذلك كانت تحاكم طرف وستتغاضى عن آخرين. والبعض قال بنوع من الصفاقة “الإسلام يجب ما قبله” وكأن علامة الانضمام الاستعراضي للساحات كافية لإعلان يمحي مجرم الأمس كذلك ثارت من جحور الثورة كل المشاريع الصغيرة والعصبوية فهل شهدت انهزام لا

قد يعجبك ايضا