نقاط على الطريق
علي بارجاء
النقطة: مركز الدائرة, وموضع ينتهي عنده اكتمال المعنى, ويقف عنده القارئ وقفة أطول, ويبدأ بعده الكاتب معنى جديدا, وفقرة جديدة, وسطرا جديدا, وتقع في الحرف المعجم, وعدم وجودها يدل على الإهمال. ونعبر بقولنا: (وضع فلان النقاط على الحروف) إذا بين ووضح الأمر وجلا ما فيه من إشكال وغموض. وللنقطة معان غير ذلك.
وتضع الدولة النقاط الأمنية على الطرقات لتقوم بدور تأمينها وحمايتها, ومراقبة مداخل المدن لمنع ما يدخل إليها مما هو مخالف للقانون, ويشكل تهديدا لأمنها واستقرارها, وعلى هذا يكون دورها إيجابيا, فهي حارس أمين على سلامة الوطن, والحفاظ على السöلم الاجتماعي, فمعناها يقترب من المصطلح اللغوي; لأنها إما أن تكون للتفتيش لكشف كلö خفي غامض وجلائه, ومعرفة سره قبل وقوع ضرره, أم الاتصاف بالإهمال عندما يكون وجودها كعدمه; فتتحول من موضع أمان إلى موضع خوف, وثغرة غير آمنة يتسلل منها الضرر, وتنتج عنها عواقب وخيمة. وتكون النقاط سلبية أيضا عندما تتسبب في مضايقة المواطن المدني, أو الذي يحمل ترخيصا بحمل السلاح _مع الاعتراض عن حمل السلاح لأي مواطن_ وتسيء التعامل معه بشكل قد يؤدي إلى وقوع مشاجرات وتصادمات ومواجهات قد تصل إلى استخدام السلاح من قبل الطرفين القارö فيها والعابر منها, أو تغض الطرف فتمرöر ما يجب إيقافه وتفتيشه وحجزه من مركبات تحمل مشتبها فيهم أو مسلحين أو مهربات وممنوعات خطيرة لأي سبب. فتكون بذلك قد قدمت تسهيلات تتنافى مع الدور المناط بها, وخانت الثقة التي وضعتها الدولة فيها. وما يحدث في المدن من تفجيرات وأعمال إجرامية وقتل وسرقات, فإن جزءا من المسؤولية تتحمله تلك النقاط المتقاعسة.
الأسئلة الملحة هنا هي: ما الشروط التي تحدد بها مواقع النقاط الأمنية¿ وما الجهة الأمنية التي يخوöل لها القانون تولöي أمرها¿ وهل فيها من أجهزة الكشف الآلي لما قد يخúفى بعناية في المركبات¿ وما الصفات التي يجب أن تتوفر في العسكريين الموجودين فيها¿ وما مستواهم العلمي والتدريبي والمهاري الذي يؤهلهم للتعامل بحكمة وحنكة ورقي وصرامة وصبر وحدس وحذر مع العابرين من المدنيين وغيرهم بمختلف أنواعهم ونواياهم الخفية, كعلم النفس والاجتماع والبرمجة العصبية وغيرها, ولو من باب التثقيف لهم¿ أم أنهم يختارون كيفما اتفق عشوائيا بلا معايير ولا مقاييس¿ وهل يصلح كل عسكري أن يكون موجودا في هذه النقاط¿
ما يريده المواطنون من هذه النقاط هو أن تحسöن التخاطب والتعامل مع العابرين بöرقöي, والتحلöي بالأخلاق الرفيعة التي تعكس مدنية الدولة وهيبتها ووقارها, وهيبة ووقار العسكريين أنفسهم, بحيث يشعر المواطن أن وقوفه في النقطة الأمنية يضمن له كرامته وأمنه, ويعرف مسبقا أن وقوفه وإجابته على ما يوجه إليه من أسئلة, وقبوله بالتفتيش هو في النهاية واجب يؤدöي إلى توفير الأمن له ولوطنه.
في كل دول العالم توجد نقاط أمنية ثابتة ومتحركة, وقد زرت بعضا من الدول فلم أجد فيها نقاطا كالنقاط التي في اليمن في تعاملها مع المواطن, تخيل أن يوقفك عسكري في نقطة ما فيسألك عما إذا كنت تحمل سلاحا, بينما تمر بجانبك سيارة محملة برجال غير عسكريين مدججين بالسلاح, فيضرب لهم العسكري التحية, ويسمح لهم بالمرور من غير توقف, ولم يسمح لك بالمرور إلا بعد عناء وأخذ ورد. فتندهش وتستغرب, وتعلم كيف يكيل هؤلاء العسكريون بمكيالين ولا تدري هل يعد هذا منهم خوفا, أو تسهيلا لهم, وتواطؤا مقصودا معهم, وخيانة لأمانتهم, أو معرفة بهم وبسلامة نواياهم! فهل بعد كل هذا يؤمن مثل هؤلاء أن يكونوا في نقاط على الطريق¿!