بقلم : جون إيريك واتكنز

ترجمة : محمد عبد الواحد الكميم



يواجه عالمنا في الوقت الحاضر مشاكل مزدوجة بسبب الفرص المتاحة أمام الاختلافات ورفض أوجه التمييز المختلفة فللاختلافات أهميتها في سائر الحقول ومنها الفن والأدب. ويعني الاختلاف الاستقلالية والابداع فضلا عن كونه الحافز لكل أنواع الإبداع. ماذا يعني ذلك في عالم الأدب¿ إنه يعني أولا أن لا تقتصر معرفتنا على اللغات والآداب (ذات النطاق المحدود) إنما يتعين علينا أن نحترمها وفق طبيعتها وهو أمر يبدو ملحا في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى لأن عالمنا في طور التحول إلى قرية عالمية صغيرة.
لقد كانت السوق الحرة تمثل الاستثناء أما اليوم فقد غدت هي القاعدة لأن الفلسفة التي تقف إلى جانب السوق الحرة تؤمن بأن (البقاء للأصلح). كما بدأ يتضح لنا أن نظرية دارون لم تكن صحيحة تماما فالحياة لم تتطور بالكامل على أساس (الحرية للجميع) كما أن تطور الحياة شهد أيضا الكثير من الاختراقات.
ومع كل ذلك برز توجه من جانب القوى الكبرى والقوية للهيمنة على الأطراف الصغيرة والضعيفة. والدليل على ذلك ما نشاهده من توجهات مجنونة من جانب الكثير من الكتاب الذين يكتبون بلغات غير معروفة نحو ترجمة أعمالهم إلى اللغة الانكليزية وكأنهم يشعرون بالقصور لأن أعمالهم لم تأخذ طريقها إلى اللغة الانكليزية. وقد شرع العديد من اولئك الكتاب بالكتابة باللغة الانكليزية بشكل مباشر لتحاشي وساطة الترجمة. ومن المؤكد أن مثل تلك التوجهات يمكن أن تنجم عن اندفاعة أصيلة كي يصل الكاتب إلى أكبر قدر ممكن من القراء (أن تكون عالميا).
ترى من يغذي اللغة الأم لمثل أولئك الكتاب التي احتضنتهم منذ بداية عهد ابداعهم¿ قيل في هذا الشأن أن اللغة الانكليزية ليست لغة واحدة فحسب إنما تضم (لغات كثيرة). ورغم منطقية مثل هذا الكلام يمكننا القول إن أولئك الكتاب يعملون في الوقت ذاته على تخريب اللغة المهيمنة من الداخل وهذا أمر طيب للغاية طالما أن هناك قوة حياتية مؤازرة لمثل أولئك الكتاب لتحقيق مثل هذا التخريب أي ما دامت هناك لغات مثل اللغة الكورية واللغة الصينية واللغة الكندية Kannada وما تضمه من ثقافة وتأريخ.
ولأن الاقتراض اللغوي والتكييف وأحيانا التقليد الأعمى ضروري لنمو الثقافة فإن دور الترجمة يغدو أمرا هاما فلقد بدأنا نشهد في وقتنا الحاضر الكثير من نظريات الترجمة. وفي هذا الشأن يذهب البعض إلى أن النص المترجم ينبغي أن يبدو مثل نص أصلي في اللغة التي ترجم النص إليها فيما يرى آخرون أن النص المترجم لا بد أن يحمل سمات الترجمة.
يعلق غوته Goethe على الترجمات المعاصرة إلى اللغة الألمانية (تنطلق أعمالنا المترجمة حتى أفضلها من فرضية خاطئة فالمترجمون يرغبون بالترجمة من اللغة الهندية أو الاغريقية أو الانكليزية إلى اللغة الألمانية بدلا من نقل اللغة الألمانية إلى تلك اللغات. ويبدي المترجمون تبجيلا هائلا للاستخدام اللغوي المتعلق بلغتهم الأم الذي يبز كثيرا تبجيل روحية الأعمال الأدبية الأجنبية. وما يقع فيه المترجم ناجم عن سعيه الحفاظ على لغته الأم بدلا من السماح للغته بأن تتأثر إلى حد كبير باللسان الأجنبي).
غير أن غوته لم يقصد بذلك أن تفضي كل ترجمة إلى تهجين اللغة الهدف بشكل من الأشكال فقد أضاف إلى أن على (المترجم أن يوسع لغته ويعمقها من خلال الاستفادة من اللغة الأجنبية غير أننا على العموم نعلم مدى إمكانية تحقق ذلك ومدى ترجمية أية لغة والكيفية التي تختلف بها اللغات بعضها عن البعض الآخر وخاصة في مجال اللهجات إذا أخذنا اللغة من الجانب الجاد وليس من جانبها السهل.
وقد تبنى والتر بنيامين Walter Benjamin هذه الفكرة على نحو جاد فيما بعد في مقالته الموسومة (مهمة المترجم) كما أنه يلجأ إلى مفهوم اللغة الأساسية فالترجمة من وجهة نظره يمكن ان تدفع اللغة للعودة إلى أصولها الأساسية بهدف إعادة الحيوية إليها. إن من الصعوبة بمكان وضع أية قواعد خاصة بالترجمة كما تجلى ذلك من خلال نظريات الترجمة الحديثة وما علينا إلا أن نتقبل الحقيقة القائلة إن الترجمة لابد أن تكون متنوعة حين تكون المتغيرات الثقافية والاجتماعية كثيرة جدا فاهتمامنا يجب أن يكون بالآخر وأن سائر الترجمات يجب أن تنبع من تلك الحقيقة الجوهرية. ورغم أن ترجمة ما ربما تستند في الغالب إلى قراءة مخطوءة للنص الأصلي فإن التأثير على اللغة يمكن أن يكون كبيرا رغم كل ذلك.
غير أن الاحتكاك الثقافي يحمل في طياته أيضا آثارا سلبية فالثقافة المهيمنة يمكن أن تلتهم الثقافة الصغيرة. ويقال في هذا الصدد إن الثنائية اللغوية تمثل الخطوة الأولى نحو الانتحار (على الطريقة اليابانية) فحين يبدأ متحدثو لغة ما باستخدام لغة مهيمنة خاصة لغة المستعمرين فإنهم في الواقع يتعلمون لغة الهيمنة الجديدة ويصبحون ثنائيي اللغة ثم أنهم يطورون عقدة نقص حيال لغتهم الأم وبعدها يقل استخدامهم لها رويدا رويدا ويجبرو

قد يعجبك ايضا