القومية الحميرية
محمد صالح الحاضري
كان اليونان يقولون عن الحميريين إنهم قوم كثيرو العدد وفي رسالة من يوسف ذي نواس يشرح فيها تطورات الفترة (515 – 525م) وردت كلمة أقوام جمع قوم باللهجة الحميرية الريفية فهو من ريف جنوب شرق صنعاء أما قوم كاسم وصف مفرد في محل الجمع فهو المستخدم في لغة الكتابة التاريخية وتتأصل إليه مفردة القومية.
لقد ذكر القرآن الحميريين بقوم تبع وتبع بالحميرية «القائد» كوصف رديف لوصف الملك كما وردت «قوم» في القرآن عن ملكة سبأ : «وجدتها وقومها يسجدون للشمس» فقوم تبع في القرآن مقصود بهم الشعب الحميري.
كذلك وردت في التوراة كلمة «شعب» عن الساميين سكان الهضبة الحميرية قبل أن تصبح لاحقا مركز النشاط التاريخي للعصر الحميري في نهاية دورة التاريخي لأوائل الساميين داخل نفس الهضبة وتطوره التاريخي منذ ما قبل الهجرات السامية إلى ما بعدها وظهور معين وسبأ وانصهارهما التراكمي في حمير وهي نقطة نحتاج لفهمها معرفة حركة التطور وقوانينها الداخلية كحركة دائرية ليست مستقيمة إلا في إطار نشاطها الدائري فتنتهي عادة إلى نقطة البداية.
الهضبة الحميرية
إن كلمة شعب الواردة في التوراة تؤشر إلى جذور الخصوصية القومية الحميرية بوصف أوائل الساميين هم أسلاف الحميريين سكان الهضبة الواقعة بين عسير وعدن فالحميريون بعكس المعينيين والسبئيين هم سكان الهضبة الأصليون وكانت قد ظهرت نقوش معينية بصنعاء لكن الإشارة هي إلى المراكز السياسية خارج الهضبة وهي مراكز انتهت إلى الانضمام السكاني للهضبة واشتراكها في تشكيل أسس العصر الحميري وشروطه المادية الموضوعية فسكان الهضبة من أيام الآباء الساميين إلى العصر الحميري هم فئتان فئة تشكلت منها الهجرات السامية وفئة تواصلت بها الأجيال السامية وتطورت تاريخيا داخل الهضبة محتفظة بخصائص الشعب السامي الأول الأب للشعوب السامية ولغاتها القومية في مناطق هجراتها فتعتبر خصوصية التطور التاريخي لسكان الهضبة أنها خصوصية تطور ومن هذه الأصول نفهم القومية الحميرية.
إن علم التاريخ يشير إلى مراحل التطور القومي للشعوب من العائلة إلى العشيرة إلى الأمة فيأتي مفهوم الأمة القومية من الجذر الأبوي الواحد ومن اللغة القومية ومن النشاط التاريخي القومي واتحادها في شكل أسس مشروعا قوميا حضاريا تاريخيا نجده متحققا في مشروع الألفية الحميرية من 500 قبل الميلاد إلى 525 بعد الميلاد انطلاقا من قبيلة حمير بالهضبة الوسطى «قتبان» علما أن اسم مدينة إب تعود مرجعيته إلى اللغة السامية الأم مباشرة بما يعني أنها قديمة بنفس عمر صنعاء.
القائلون بعبرانية حمير
تشير الدراسات العبرية إلى أن مملكة حمير كانت يهودية خالصة وأن ذلك لم يأتö من فراغ تاريخي بل من جذرية عبرانية لكنها جذورية اغترابية نسبة إلى اغتراب بعض قبائل بني إسرائيل الاثني عشر وأن حمير ما هي إلا إحدى هذه القبائل كما أن بعض الاتجاهات العبرانية تشير إلى أن سبأ نفسها عبرانية وكانت عملية كتابة تاريخ الفترة (515 – 525م) التي شهدت فترة الثورة الوطنية اليهودية الحميرية كثورة قمعها الامبراطور الروماني جنستنيان الأول بنفسه على عكس ما تم تصوره من أن إكسوم قامت وحدها بالمهمة أن قائد الثورة يوسف ذي نواس الحميري عبراني تمتد عبرانيته لتشمل قبيلة حمير التي تطورت على شكل ظاهرة تاريخية نتج عنها العصر الحميري مدة ألف عام فتقول بعض المصادر أن عبرانية حمير امتداد لعبرانية سبأ فيشيرون إلى خطأ اعتبار ديانة إلمقه وثنية وإنما هي توحيدية يهودية كونها لم تظهر إلا في القرن العاشر قبل الميلاد عقب عدة عقود من فترة مملكة سبأ وأن اسم بلقيس عبراني ليس إلا ترجمة لنفس لقبها الرسمي «ملكة سبأ» بالعبرية وأن مملكة المكارب أوضح انعكاس لمرحلة ما بعد الملكة بلقيس فالنقوش لم تشر إلى ديانة إلمقه إلا بعد القرن العاشر قبل الميلاد وما ظهر فيها من الوثنية هو نتيجة اغتراب الديانة اليهودية نفسها وتوثنها كأمر أحدث تغييرا شكليا في طبيعتها التوحيدية إلى أن جاءت اليهودية التصحيحية في العصر الحميري واختفى الشكل الوثني منها كما تشير بعض المصادر اللغوية العبرية إلى شكل الحرف المسند السبئي – الحميري كأقرب إلى شكل الحرف العبري مقارنة باختلافه الكبير عن الشكل العربي.
إن تمايز اللغة الحميرية عن اللغة النبطية في شكل الحرف هو تمايز جذري ينفي وجود علاقة قومية بين الحميريين والعرب إذ لا توجد قومية بلغتين فذلك يخالف المفهوم العلمي للقومية وأن قول عرب شمال الجزيرة بأن لسان حمير غير لساننا وعربيتهم غير عربيتنا ليس إلا اعترافا مبطنا