السم يقتل أول موحد لليمن بعد الإسلام (الملك علي بن الفضل الخنفري)
أحمد الأحصب
قادما من يافع كان علي بن الفضل الجدني الخنفري الجيشاني قد وصل الكوفة سنة 267هـ/880م لزيارة مرقد الحسين بعد أدائه فريضة الحج بمكة.
وكانت الشيعة قد تحولت إلى الاستتار في العهد الأموي والعباسي. وكان الدعاة العلويون قد اتخذوا مواعيد زيارة المتشيعين بالكوفة (عند قبر الحسين) والنجف وكربلاء وسيلة لنشر مبادئهم ولاستقطاب الناس من مختلف البلدان. وقف علي على قبر الحسين يترحم عليه ويتمتم بأدعيته التي حفظها من بيئة التشيع البسيطة في اليمن. وغير بعيد وقف أحدهم يتأمل الشاب علي من غير أن يشعر. توسم ذلك المجهول فيه ملامح النجابة والذكاء. كان ذلك المجهول هو الحسين بن أحمد من أحفاد جعفر الصادق وأحد قادة الدعوات الشيعية المتربصة والتي تعمل بالخفاء عن عيون الدولة العباسية. كان هدف الحسين إنشاء دولة باسم الإمام المستور (ابنه عبد الله بن الحسين (المهدي).
بعد أن أتم طقوس الزيارة عرض الحسين على الشاب عرضا لم يتردد في قبوله. وكيف يرفض وهو شخص لا شهرة له وليس له ما يخاف عليه بعد أن فشل في تنفيذ المهمة ولكن ماذا لو نجح سيكون رجلا ذا شأن هذا إن لم يصبح حاكما على اليمن. من هذه اللحظة أصبح ابن الفضل رسولا داعيا وممثلا لحركة دينية سياسية ناشئة تبحث لها عن فرصة وسيقوم من الآن بمهمة الدعوة للإمام المستور ومنفذا للخطة التي زود بها غادر صوب اليمن نهاية تلك السنة بصحبة رفيق آخر في الدعوة هو الحسن بن حوشب. وصل الرفيقان اليمن عام 268هـ/881م. توجه بن حوشب إلى عدن لاعة في حجة وتوجه ابن الفضل إلى مسقط رأسه في أبين. كانت الخطة مكونة من مرحلتين: الأولى الدعوة والانتشار السلمي حتى تتجمع بيدهما مصادر قوة كافية من الأنصار والأموال تمكنهما من الانتقال إلى الجزء الثاني من الخطة وهو السيطرة الفعلية وإقامة دولة الدعوة. استغرق الجزء الأول من الخطة أكثر من عشرين سنة لتبدأ في عام 290هـ/902م المغامرة العسكرية التي فاجأت الجميع وكانت كالضربة القاضية. ضربة تخلصت من جميع ملوك وممالك اليمن الكثيرة في ذلك الوقت لقد طويت بلاد اليمن لابن الفضل طيا في فتح سريع لم يسبق لأحد قبله. وخلال أقل من عشر سنوات كان الشاب علي قد أصبح حاكم اليمن الأول واختار المذيخرة في إب عاصمة له.
لكن هل هذا غاية الأمر تساءل الشاب في نفسه أن يقيم ويؤسس دولة باسم غيره أو أن يصبح حاكما تابعا لحاكم أعلى منه¿ بالنسبة لطموحه لم تكن إقامة دولة تلك الدعوة الدينية كافية ولا صالحة ربما. ولم يكن في خطته أن يظل هو وبلده تابعا لأحد وما كان ليقتنع إلا بإعادة دولة أجداده الحميريين. حزم أمره واتخذ قراره الذي سيعلنه من قمة جبل كوكبان: التخلي عن الدعوة الفاطمية والإمام المستور.
بقيام دولة ابن الفضل خسر الكثير ممالكهم ونفوذهم. ورغم إعلانهم الطاعة إلا أنها كانت طاعة أمر واقع إذ ظلوا ينتظرون الفرصة المناسبة ليتخلصوا من هذا الكابوس الذي حل بهم. ومثلما كان ظهوره ونجاحه غير مسبوق كان على خطة التخلص من ابن الفضل أن تكون كذلك غير معهودة. وليس إلا السم ذلك القاتل الصامت الذي يتسلل إلى الشرايين والأوردة هو القادر على القيام بتلك المهمة. فما من أحد قادر على المواجهة المباشرة لقد جربوا ذلك من قبل فماذا كانت النتيجة¿!! لم يبق أمام أولئك المتربصين سوى ذلك الحل الجبان. فأرسلوا له من يدعي طبابة الحجامة أو هو كذلك بالفعل ففصد بمبضعه دما من ذلك الجسد وأنجز المهمة. غادر طبيبنا المكان فورا فلا أحد يعرف غيره ما الذي سيحدث خلال اللحظات التالية. كان ذلك المبضع قد نقع أو مرغ بالسم. لم يكن ذلك الطبيب قد ابتعد كثيرا حين أدرك الجميع سر عجلته لقد بدأ القاتل الصامت بإنجاز مهمته ومات الملك علي بن الفضل الخنفري وبسرعة الفاجعة كان الطبيب يمثل لقدره الذي اختاره. حدث ذلك عام 303هـ/915م في المذيخره التي لم يمنحها القدر فرصة التمتع بوظيفة العاصمة لأول دولة يمنية موحدة منذ قرون.