دخلت نجوم البرد!
علي بارجاء
حل شهر ديسمبر, وحل معه الشتاء, صرنا نفتش عن الدفء, نرتدي الملابس والأردية الصوفية الغليظة الثقيلة التي تعيقنا وتسلب منا حرية وانطلاق الصيف, ولكنها تحمينا من البرد القارس, وعواقب الإصابة بنزلاته المرضية, نكمöم رؤوسنا المحشوة بالحكمة اليمانية, فنبدو كأننا من رواد الفضاء, ونفتعل حركات عجيبة غريبة لاتقاء الإحساس بالبرودة فنقعد القرفصاء, وننفخ في أيادينا, ونحك بعضها بعضا, نرتجف وتصطك أسناننا, كما لو أننا مرتعبون خائفون, تقل تحركاتنا وتنزهاتنا, نعود إلى منازلنا مبكرا, ونحكم إغلاق نوافذها, نسد كل شق فيها قد يتسرب منه هواء بارد, ونأوي إلى مضاجعنا لنتدثر, نكثر من أكل وشرب العسل والتمور والحلويات, ونشعر بجوع مستمر فتنفتح شهيتنا لالتهام كلö شيء, وتبدأ قصة خصامنا مع الماء فتذوي أجسامنا, وتشحب وجوهنا, وتغيب عنا مظاهر بهاء ونظافة الصيف.
إنه الشتاء, الذي ينúطöقه مثل من أمثالنا الشعبية: (قال البرد: من تحمل بي فقشúتهú), وفي المثل دلالة واختزال لمعان كثيرة.
إنه الشتاء! وليس الشتاء كالصيف. للشتاء آثار أكثر سوءا على كل إنسان, غنيا كان أم فقيرا, قويا أم ضعيفا, صحيحا أم مريضا, فيحتال كل ليخفöف عن نفسه الإحساس بلسعات زمهريره, وآثاره ومضاره, وهو يردöد المثل القائل: (كل عöلة وأبوها البرد).
من الناس من يستطيع التغلب على البرد وآثاره ومضاره بألف طريقة ووسيلة, وأولئك إنما هم الأثرياء والميسورون وأرباب الدخول المناسبة الذين يستطيعون مواجهة تغيرات الطقس والمناخ في شتاء وصيف, ولكن شتان بين هؤلاء وبين الفقراء الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم, وهم كثر, وأكثرهم نحسبهم أغنياء من التعفف, لا يسألون الناس إلحافا.
لسنا كدول أوروبا الباردة التي تستخدم أساليب التدفئة المختلفة, وتكثöف شعوبها من استعدادا لفصل الشتاء قبل حلوله. نحن إذا فكرنا في استخدام أجهزة التدفئة الكهربائية حسبنا ألف حساب لتكلفتها, وأسعار كهرباء (طفöي لصöي) في بلادنا باهضة لأنها كما يبدو هي مصدر الدخل الأوحد للدولة التي لا تمتلك أي ثروات ترفد بها الميزانية غيرها, لذا فهي مرتفعة قياسا بأسعار الكهرباء في دول العالم المتحضر التي تحب شعوبها وترأف بهم, وقد ذهبت بعض الأسر في بلادنا ضحية التدفئة الخاطئة فنامت على دفء مصابيح الكيروسين من ماركة (بتروماكس), ولم تستيقظ!
في كل فصل شتاء نتذكر الفقراء, ونتساءل كيف سيواجه هؤلاء الآدميون برودته ومضاره¿! لعلمنا أن ما ينفقه الإنسان في الشتاء يفوق كثيرا ما ينفقه في غيره من فصول السنة.
نسمع عما تقدمه الجمعيات الخيرية الاجتماعية الإنسانية أوالسياسية منها, وما يقدمه المحسنون من مساعدات مالية وعينية للأسر في شهر رمضان, وفي الأعياد, وفي بداية كل عام دراسي, فهل لفصل الشتاء في أجندتها وأجندتهم موضع ومجال اهتمام ورعاية للفقراء¿ فهم أحوج ما يكونون للدفء والطاقة ليشعروا بأن في وطنهم أحضانا دافئة تحتضنهم وتحميهم! الآن تذكرت الشاعر حسين المحضار (رحمه الله) وأضع هنا بيتا له على ظاهره, قال:
دخúلتú نجوم البرد
شفتö الحبايب كل عöمöد في دöفاه
صحú ما سöمعت الرعد
والبرق يشعل عليú من سماه
يا حول يا حولاه ما الليله
لي ما لöقى له زöبöن ياويله
يا حارس الرöعيان في السيلöه
يا كلö خمسة بدو عöمúدوا عا حصاه