«فنتازيا» شارع العبث!!

عبدالله الصعفاني

مقالة


 -  هذا الشعب عظيم رغم ما يصيبه من ابتلاء الحكومات إنه يحفر في الصخر ليحصل على رزقه ويصبر إلى الدرجة التي تقبل شريحة منه ذل التهريب مغادرة والترحيل عودة بل أن شريحة أخرى صارت

< هذا الشعب عظيم رغم ما يصيبه من ابتلاء الحكومات إنه يحفر في الصخر ليحصل على رزقه ويصبر إلى الدرجة التي تقبل شريحة منه ذل التهريب مغادرة والترحيل عودة بل أن شريحة أخرى صارت تمد يدها عند الإشارات وعلى أبواب المطاعم وكأنها الحكومة في ما يصرخ قطاع كبير من داخل أسواق شعبية تقطع الطريق ولا يهم إذا لم يسمع الزبائن وكأن البائع والمشتري أعضاء في مجلس النواب أو مؤتمر الحوار..
< وسامحوني فعلى رأي حكيم لست متأكدا مما إذا كان السائح الافتراضي يأتي ليتفرج على الآثار أم يتفرج علينا ولا بأس اعتبروه هجاء للنفس وجلدا للذات في ذات سياق رائعة الدكتور عبدالعزيز المقالح ما ليس مقبولا ولا معقولا أن يصبح اليمن الحبيب طلولا..!!
< وأعترف أنني في الأعوام الأخيرة صرت مسكونا بعفريت تغيير أي شيء بشرط أن يكون التغيير نحو الأفضل. صرت أحلم فقط بدراجات نارية بأرقام واضحة وسائق يرتدي خوذة ويحمل خلفه راكبا واحدا وليس أربعة دراجة تحترم قواعد المرور لا تعكس الخط ولا الجزر ولا الأرصفة وطبعا لا تغتال بمسدس صامت أو ناطق..
< ومن أحلام «القناعة كنز لا يفنى» أنت تنضبط قواعد السير إما بسلطة إشارات المرور التي صارت من الماضي أو بسلطة رجل مرور لا يغادر مكانه ويترك الشارع نهبا للعبث أو حتى بتوعية تحقق بها المقصود من الرب المعبود وهو ما يسمى سلطة الأخلاق.
< شوارع المدينة اليمنية صارت ملتقى التعطيل والفوضى والعبث الذي تفرضه أسواق الشجرة الملعونة على ألسنة المخزنين أنفسهم وأسواق تعطي الانطباع بأنها ملتقى فائض سلع منتهية الصلاحية أو ذات جودة ليس أردأ منها سوى إعاقة بائعيها لحركة المواصلات يحدثون تلوثا سمعيا وبصريا يتصدره مشهد المنهج المدرسي وهو مصلوب على الأرصفة في ما يشتكي الطلاب إما من نقص الكتب أو وصول بعضها ممزقا بفعل استخدامه من سنوات سابقة..
< لأسباب تنظيمية حسب اللجنة الأمنية تتوقف الدراجات النارية عن الضجيج وربما يتوقف بعضها عن القتل لمدة نصف شهر ولكن هل من حلول تجمع بين حق أصحابها في طلب الرزق وبين واجبهم في احترام قواعد المرور وقواعد السلامة وقبل وبعد ذلك حق الناس في أن يموتوا بصورة طبيعية بعيدا عن الدراجات النارية..¿
< أنت مستعجل وتود اللحاق بقريب يطلب مساعدتك عند بوابة المستشفى العسكري كما حدث قبل أيام.
جولة الساعة بالحصبة خلفك.. لكن البسطات والباعة المتجولين وفوضى المرور تمنعك من أن تكب إلى شعوب وليس أمامك سوى استدعاء رصيدك من الفضول وأنت متوقف بفرمان فوضى الشارع «السوق».
< النوافذ والزجاج الأمامي تنقل اليك غريب الصور ومثير الأصوات.. منظر شجرة تظلل بائع المنهج الدراسي المصلوب على الرصيف.. وأغصان شجرة أخرى محملة بسراويل معروضة للبيع تذكي خيالك وأنت تتذكر أضواء وألوان شجرة أعياد الميلاد.. مشهد استعراض يعطي الإنطباع كما لو أننا ما نزال في مخاض الإنتقال من ورقة التوت إلى عصر الملابس الداخلية.
< كل صاحب بسطة تحتل الشارع وليس الرصيف فقط يطلق صرخة عبر مايكرفون بصورة تسجيلية مكررة وبنبرات ومفردات فيها الكثير من التحدي المفرط للدول الصناعة زرافات ووحدانا.. أي قارورة عطر بمائة ريال.. أي لعبة بمائة ريال.. أنا اتحدي اليابان.. أتحدى الصين.. أتحدى سنغافورة.
< مايكرفون ثان يصرخ .. سموم ولا أروع.. سموم للصراصير.. للعقارب.. للكتن للقمل.. للذباب.. للنامس.. وليس أمامك سوى رمي السندويش الذي تأكله إلى الرصيف تعزيزا لفنتازيا العبث.. مايكرفونات تروج لكل شيء بضوضاء لافتة.. ووحده بائع الشمة يكتفي بالكتابة على الأكياس البلاستيكية الصغيرة.. شمة بيضاء.. بنية.. وشمة عرايسي.. شوفوا الرومانسية عندما تأتي على ظهر «علبة البردقان»..!
< ولقد فتح الله علينا فغادرنا جولة الحباري لكن الشارع انقطع بثلاث سيارات وعدد من «المقعشين» المسلحين الذين يحرضونك على العودة من حيث أتيت.. لكن المفاجأة أن قطع الطريق لم يكن تمهيدا لفتنة.. فالجماعة فقط نزلوا من أجل القيام بفواصل من السلام والبوس.. الحمدلله أن ذلك لم يكن بدوافع عنيفة.
< وعذرا إن صرت هنا أحد الذين قال عنهم محمد حسن علوان «كل صباح يستيقظ مجموعة من الصحفيين ليعلقوا آلامنا على الجدران» ولكن كيف السبيل ونحن مصممون على البقاء عالقين في شوارع الفوضى والعبث فيما لا نية حقيقية للارتقاء بالذوق العام.

قد يعجبك ايضا