طمر النفايات والسموم الخطرة
أحمد سعيد شماخ
مع تزايد الاتهامات الموجهة للصناعة بأنها وراء التلوث الذي تتعرض له البيئة والبشرية على مستوى البلدان النامية والفقيرة وعلى مستوى العالم أجمع فالمخلفات الصناعية صارت اليوم أمرا وواقعا حتميا لا مفر منه وعلى ضوء ذلك فقد ظهرت إلى السطح كثير من الدول ومن المنظمات والمؤسسات والمراكز الدولية تبحث عن حلول جذرية عاجلة توقف الآثار المدمرة على صحة الإنسان والبيئة جراء تلك الاضرار الناجمة عن المخلفات الصناعية وغير الصناعية التي أضحت اليوم من أكبر القضايا التي تعانيها البشرية والأمثلة على ذلك كثيرة ووفقا لدراسات فإن الدول الصناعية تستهلك ما مقداره أكثر من ثلثي صلب العالم وأكثر من إنتاج الالمنيوم العالمي والحال نفسه بالنسبة لمعادن النحاس والرصاص والنيكل والقصدير والزنك والطاقة وغيرها .
ومنذ العام 1950م وحتى العام الجاري 2013م استهلك العالم من السلع والخدمات مايعادل ما استخدمه البشر منذ فجر التاريخ فعلى سبيل المثال استغل العالم منذ العام 1940م مناجم كوكب الأرض بصورة تعادل ما عرفته البشرية من نشاط تعديني لأكثر من 1000عام والحال أن سلوك الهدر الذي أدمنت عليه الدول الصناعية هو الذي وضعها لأن تكون هي المتهم الأول وراء تسرب قسم كبير من تلك المخلفات الصناعية إلى الدول الفقيرة وخصوصا منها السلع المصاحبة لعمليات التغليف والتعبئة والسلع المنتهية والمقلدة وقريبة الانتهاء والسلع المستخدمة لمرة واحدة ثم تهدر والامثلة على ذلك كثيرة ولا تحصى ويكفي أن نعرف أن في الولايات المتحدة الأميركية وحدها تبلغ كلفة التغليف أكثر من 250$ للشخص الواحد سنويا وتتراوح كمية المهملات الاميركية من مكينات الحلاقة بنحو 180 مليون ماكينة وكميات أخرى هائلة من مخلفات الالمنيوم التي تكفي لبناء هياكل عدد 7000 طائرة ضخمة سنويا بينما تزن مخلفات التعبئة والتغليف في بريطانيا بنحو أكثر من 9 ملايين طن سنويا ومن مخلفات اليابانيين التي تصل إلى نحو أكثر من 35 مليون آلة تصوير سنويا وهذه هي احدى نتاج تطور الصناعات في العالم فضلا عن الإسراف البشري الناتج عن الاستهلاك الصناعي وهناك تعريفات كثيرة للنفايات وكل له تعريفه للنفايات يحاول فيه نفي وتبرئة نفسه عن تلك التهم ولا مجال هنا لسرد تلك التعاريف وإنما سوف أكتفي هنا بتعريف منظمة الصحة العالمية (1980م) التي عرفت النفايات بأنها كل المخلفات الناجمة عن نشاط بشري يلحق الضرر بالصحة العامة وبالبيئة بشكل مباشر وغير مباشر وبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية أيضا فإن النفايات الخطرة هي التي تتكون من مواد كيميائية وتشمل المذيبات ومواد الطلاء والمعادن الثقيلة والأحماض والنفايات الطبية ويكفي أن نعلم هنا أن الإنتاج العالمي من النفايات الخطرة قد بلغ إلى نحو أكثر من 400 مليون طن سنويا تنتج الولايات المتحدة الأميركية منه نحو 60% وباقي هذه النفايات تتوزعها كل من دول الاتحاد الاوروبي وكل من الصين والهند وماليزيا وتايلاند وسنغافورا وكوريا وغيرها .
لقد كان الاتجاه السائد في الماضي أن يتم التخلص من هذه النفايات الخطرة بالطمر والتخزين السطحي أو عبر الحقن في الآبار العميقة.. غير أنه وبعد مرور فترة من الزمن تبين أن ذلك كان خطرا مؤجلا وأن كل مواقع الطمر قد تحولت إلى ينابيع لأضرار هائلة لا تحصى على البشر والبيئة معا حيث تبين ذلك الخطر المؤجل في ولاية مونتانا الأميركية في ثمانينيات القرن الماضي عندما بدأت تظهر للعيان أمراض لافتة للنظر عدد كبير منها لم تكن مألوفة ومنتشرة سابقا في الولاية مثل الأمراض السرطانية كسرطان الجلد والأمراض الرئوية والمعوية وغيرها وعند البحث عن أسباب هذه الأمراض تبين أن مجمع كلارك فوك للتعدين الواقع في اطار الولاية والذي يعد أكبر مجمع لطمر النفايات الخطرة هو السبب في تلك الكارثة في انتشار الأمراض وبعد مرور عقود من الزمن من انشاء هذا المجمع تبين أن نفايات صهر الحديد والنحاس قد تراكمت إلى حدود خطرة وبدأت بتلويث المياه الجوفية والمياه المتسربة ون المواد العضوية السامة بقيت في نفس موقع الطمر منذ عقود وكان لهذا الاكتشاف صداه الكبير على مستوى الولايات المتحدة والعالم أجمع والذي على إثره اكتشف مباشرة أن هناك أكثر من 1200موقع طمر للنفايات تقترب في خطورتها من موقع كلارك فوك في ولاية مونتانا بالولايات المتحدة الأميركية وفي عام 1990م حددت وكالة الولايات المتحدة الأميركية لحماية البيئة 3200موقع في قائمتها المصدرة بالمواقع المحتملة الخطورة ومنذ ذلك التاريخ انطلق القلق العالمي حول الاخطار الناجمة عن النفايات الخطرة واكتشف على إثره العديد من المطامر والنفايات الخطرة في العديد من دول العالم مثل هولندا والدنمارك