يمنية اليمن

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - 
* منذ أمد بعيد والحديث عن الاغتراب والشعور به في الذات اليمنية أصبح واحدة من القضايا الكبرى التي يفترض الوقوف أمامها بقدر وافر من التأمل والبحث والمعالجة وذلك أنها قضية جوهرية تحمل من التراكمات التاريخية ما ينوء بحمله الواقع

* منذ أمد بعيد والحديث عن الاغتراب والشعور به في الذات اليمنية أصبح واحدة من القضايا الكبرى التي يفترض الوقوف أمامها بقدر وافر من التأمل والبحث والمعالجة وذلك أنها قضية جوهرية تحمل من التراكمات التاريخية ما ينوء بحمله الواقع اليمني وقد يكون استمرارها هو التيه بعينه الذي يتجاوز بنا لحظتنا الحضارية الجديدة ويعود بنا إلى الضياع الصحراوي المقيت ومثل ذلك الضياع تجاوزته الذات اليمنية القديمة من خلال قدرتها على التوازن بين المادي والروحي وقدرتها على صناعة ذلك الوهج الحضاري الكبير الذي أبهر الرومان فقالوا عن اليمن إنها البلاد السعيدة فالسعادة التي قال بها الرومان ورموز الحضارات القديمة لا تعني أكثر من الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي والقدرة على التوازن.
ومنذ تفرقت أيدي سبأ أصبحت اليمن تعيش وضعا استثنائيا لا يتسق مع طبيعتها الحضارية والثقافية وظلت تحت نير الاستبداد والطغيان وهيمنة النسق المغاير لها مما جعلها تقع تحت سلطة واقع منفصل ظل يعبث بكل العوامل المجددة للنسق الحضاري والثقافي ومثل ذلك كان عاملا مهما في تعزيز مشاعر الاغتراب الزمانية والمكانية في الذات اليمنية ويكاد أن يكون ذلك عاملا مهما أيضا في مضاعفة الشعور بالنقص الذي لا يجد تكامله إلا في الآخر.
ما ليس مدركا في التداول العام أن البعد الحضاري اليمني كان يرتكز على القيم الصناعية والإنتاجية وكانت اليمن مركزا اقتصاديا مهما بل كانت منارة يقصدها كل العالم وكان العرب الصحراء رحلة كل عام إليها وأخرى مماثلة إلى الشام وما تزال حتى هذه اللحظة تشكل بعدا استراتيجيا في طريق الملاحة والتجارة الدولية ومثل ذلك كان سببا جوهريا في الوجود الحضاري القديم ولن تستطيع اليمن النهضة من كبوتها دون البناء على ذلك التراكم من خلال التحليل السياقي والتقاطعي وإعادة تعريف الهوية التاريخية والثقافية والحضارية وبناء الذات اليمنية ذات الحضور التاريخي والامتلاء الحضاري حتى يمكنها تفجير طاقات تلك الذات وتوظيفها فيما يحقق التطلعات في استعادة الوهج الحضاري وبناء اليمن بناء حضاريا قادرا على التفاعل والإضافة إلى الحضارة الإنسانية في هذا العصر الذي نعيش خطواته الحضارية المتسارعة وإيقاعه التقني والإنساني البديع.
ومثل ذلك لن يتحقق إلا من خلال مشروع وطني ناهض يسعى إلى إعادة الوصل الحضاري والتفاعل مع لحظته الجديدة وتكون أبرز وأهم أهدافه هي:
إعادة تعريف الهوية التاريخية والثقافية والحضارية وتحقيق الامتلاء الحضاري من خلال التحليل السياقي والتقاطعي لا التحليل الكمي والاستفادة من الوسائط الحديثة والتأكيد على الذات اليمنية وتفجير طاقاتها بما يحقق التفرد والتميز والندية مع الآخر والتأكيد على الاستراتيجيات التكاملية ونقد الانفصالات القيمية بين الذاتي والسياسي.
ومن هنا يمكن القول إن استعادة يمنية اليمن في الأبعاد الحضارية والثقافية والأخلاقية ضرورة تمليها الحالات القهرية التي تعاني منها اليمن أرضا وإنسانا ودولة.
إذ إنه لا يمكننا القفز على حقيقة منطقية تشهد تفاصيلها كل يوم وهي أن اليمن مستهدفة ومنذ زمن بعيد ونحن ندرك أن هناك من يحاول أن يضرب يمنية اليمن في عمقها الحضاري والتاريخي والثقافي ويحاول شل وتعطيل الدور الجديد من خلال تصدير المشاريع التدميرية التي لا تتوافق مع الطبيعة اليمنية ولا مع يمنية اليمنيين الحقة.
إشغال هذا البلد بالاضطرابات والحالات الأمنية القلقة والوضع الاقتصادي المتدني وبالانقسام والتشظي وبفرض الهيمنة على بعض الرموز السياسية والاجتماعية قضايا استراتيجية لبعض أولئك الذين يخافون العمق الحضاري لهذا وتأثيره على مستقبلهم ولذلك شهدت وتشهد اليمن تدميرا لكل مآثرها الحضارية والثقافية والتاريخية والكثير يدرك أن حركة شراء المخطوطات نشطت وبشكل مذهل خلال العقود الماضية وحركة تدمير المآثر التاريخية وتهريب القطع الأثرية بالمعنى المباشر هناك حركة ذات منظومة متكاملة هدفت وتهدف إلى الفصل الحضاري واغتراب الإنسان اليمني من أجل سهولة الهيمنة عليه فالفراغ حلقة دائرية تدور في تيه حتى تتمكن من الامتلاء وهي بدورانها إما أن تشعر بذلك الامتلاء الحضاري والتاريخي والثقافي أو أن تشعر به من خلال تكاملها مع الآخر ولعل الخيار الأخير هو الأكثر ظهورا في جل نشاط الإنسان السياسي والثقافي والاجتماعي وهو الخيار الذي تسعى إليه بعض القوى الإقليمية.
ثمة حلقة منقودة في التكامل الحضاري لعل أبرز عناوينها لم تكن محط اهتمام أي مشروع سياسي أو ثقا

قد يعجبك ايضا