حسين باصديق.. في ضوء الشموع

هشام علي

 - حسين باصديق الكاتب القصصي والروائي والمسرحي الذي قام بسرد تحولات المجتمع والناس في مدينة عدن لمدة ستة عقود تعرض فيها لمراحل مختلفة من تاريخ المدينة دون أن يقصد كتابة التاريخ لكنه كان يعيش تلك الوقائع والتحولات
حسين باصديق الكاتب القصصي والروائي والمسرحي الذي قام بسرد تحولات المجتمع والناس في مدينة عدن لمدة ستة عقود تعرض فيها لمراحل مختلفة من تاريخ المدينة دون أن يقصد كتابة التاريخ لكنه كان يعيش تلك الوقائع والتحولات يكتب ويسرد ويعيش وبين الكتابة والحياة تشكلت هوية الكاتب حسين سالم باصديق وتمثل التزامه بهذه الكتابة كطريقة عيش وسبيل حياة.
وأتوقف قليلا عند هذه العلاقة بين الكتابة والحياة إن حسين باصديق الذي اختار الكتابة والإبداع منذ أربعينيات القرن الماضي إنما كان يغزل طريقا لحياته تمتلئ بالمعاناة والألم فمن بين خيارات متعددة مارسها في سنوات الشباب من العمل الكشفي والشبابي إلى ممارسة التدريس في مدرسة بازرعة بعد أن أكمل الدراسة الثانوية ثم كان ارتباطه بالعمل التعاوني في وزارة الزراعة وفي دلتا أبين حيث كان قياديا في ذلك المشروع الكبير الذي يهدف إلى تحقيق تنمية شاملة تجعل حوض دلتا أبين مشروعا زراعيا رائدا استمر في الخمسينيات والسيتنيات وكان لباصديق دور مهم في ذلك المشروع ونجد أثر ذلك المشروع في رواية باصديق «عذراء الجبل» التي كتبها في مرحلة لاحقة من ذلك التاريخ لكنها حملت كثيرا من أثره.
وقد وصل باصديق إلى مركز قيادي الإدارة التعاونية الزراعية لكن الأدب والكتابة الأدبية كانت بالنسبة إليه اختيار حياة.
هذا الاختيار الذي تحدث باصديق في مقالة كتبها وهو على فراش المرض بين فيها أن الكتابة بالنسبة له تعني الحياة: «قد يسهل على المرء ترك الكتابة لتجنب الأمراض المتوقعة والتهم التي يرمى بها.. ولكن الإنسان إذا شرع في الكتابة برغبة فإن تلك الرغبة تتزايد لديه ولا يستطيع بسببها ترك الكتابة على أي حال. بل قد يشعر الإنسان الذي يرغب باستمرار في الكتابة – إذا تركها ذات مرة – بالانجذاب نحوها من جديد. وإذا كلت مساعيه للكتابة أو فترت لديه الرغبة فإنه يشعر بنقص كبير في حياته بل أنه قد يشعر في أحيان أنه فقد الحياة تماما لأنه يشعر أنه عالة وأداة معيقة. وقد يشعر حينها بالضيق الشديد وفقدان الشعور وشدة الحدة والحساسية. وذاك ما أشعر به عندما انقطع عن الكتابة وادعو الله دوما أن يبعدني عن ذلك الشعور الخبيث».
هكذا يصف باصديق علاقته بالكتابة علاقة حياة أو موت.. فالكتابة بالنسبة له ليست تمارين في الإنشاء ولكنها ممارسة أخرى للحياة يحفر بواسطتها الكاتب تجربة عيش ويسطر مواقف وحكايات عن مجتمعه يضيء له شموعا تنير طريق التغيير والتحول.
ويذكر باصديق حادثة مهمة في حياته لم نكن نعرف عنها شيئا. لقد كانت أشبه بمحاولة انتحار في نظري.. فهذا الكاتب الذي كانت الكتابة عنده نظيرا للحياة.. يقدم في لحظة يأس وألم بإحراق كتبه وأوراقه ودفاتره.. لماذا فعل ذلك¿ كيف جعل شموع التنوير تتحول إلى نار تأكل بعضا من مؤلفاته وكتاباته¿
يقول باصديق عن حادثة إحراق الكتب: «إنني في عام 1972م وبالذات في سبتمبر منه بعد أن أطلقت من أسري في معتقل «السبعة الأيام المجيدة» في عدن أحسست باليأس والإحباط والضياع بعد كل ما بذلته من خير في عملي الوظيفي والاجتماعي فرحت ارتكب حماقتي وأحرقت في لحظة واحدة كل ما ملكته في بيتي من ملفات ووثائق وصور وغيرها.. ولما أنتهى دخان الحرائق انكيت على «الموفى» أطفئ رمادها المتقد بدموعي الفاترة.. وانكتم بذلك ماضي المجيد الذي بذلت فيه جهدي الكبير لربع قرن من الزمان منذ أن توظفت عام 1948م حتى نلت الثواب غير اللائق في اعتقالي عام 1972م.
كتم باصديق هذا الأمر في قلبه لم يكن يتحدث عن هذه المأساة الحظيرة في حياته ولم يكن يذكر شيئا عن معاناته في المعتقل في الأيام السبعة المجيدة.. أو هذا ما سميت به الانتفاضات الشعبية في الريف التي جعلت «عدن مدينة مفتوحة» وخربت كثيرا من مظاهرها الحضرية والمدنية في محاولة بائسة لترييف هذه المدينة التي كانت زهرة مدائن الجزيرة العربية.. لا أدري هل كان الإحساس بالقهر واليأس اللذين أحسهما باصديق سببهما اعتقاله ومالقيه من إهانة وقلة احترام في المعتقل أم أن السبب كان إحساسة بالشروع في تدمير المدينة وإحراق معالمها الحضرية والثقافية وأن تلك الأيام السبعة «غير مجيدة» وغير محبة لمدينة عدن وأهلها.
لقد رأى حسين باصديق بعينيه المحبتين بعدن رأي الخراب يجتاج المدينة ويرهب أهاليها كانت اليسارية المتطرفة والثورية الأممية الخارقة تتحرك بصورة متسارعة لتدمر في زمن قياسي سبعة أيام فقط معالم المدينة الرائعة دخل الثوار إلى مباني الوزارات والمؤسسات ومبنى الإذاعة والتلفزيون

قد يعجبك ايضا