رمزية الاستدعاء ودرامية التوظيف

احمد علي جابر

 - يمكن القول مع كثير من التأكيد أن الجهد المتميز لكتابة القصيدة الغنائية بمزايا الدراما وحضور الرمز واستجلاب الموروث بما ينتظمه من عناصر أسطورية وتاريخية وشعبية في بناء شعري متكامل - لا تبدو فيه هذه العناصر نابية أو
احمد علي جابر –
يمكن القول مع كثير من التأكيد أن الجهد المتميز لكتابة القصيدة الغنائية بمزايا الدراما وحضور الرمز واستجلاب الموروث بما ينتظمه من عناصر أسطورية وتاريخية وشعبية في بناء شعري متكامل – لا تبدو فيه هذه العناصر نابية أو قلقةـ قد استوفي أساليبه النصية ومعاييره الفنية في قصيدة (رحلة السند باد الأخيرة)(1) التي كشفت جانب الإبداع الشعري المتميز في نتاج محمد الشرفي فالقصيدة بناء درامي متكامل بآلياته وصوره ولغته ,وفي استقوائها لاشتراطات النزوع الدرامي والتأسيس الرمزي للقصيدة الحديثة, وهي ترقى لأن تكون علامة شعرية مائزة لا قياسا بتجربته وحسب بل على نطاق المشهد الشعري اليمني الذي ظل نقاده ومن جاراهم ينظرون للشاعر من ثقب واحد, ومن زاوية بعينها لينحصر إبداعه في المرأة والحجاب والشر شف دونما إدراك للقيمة الشعرية والجمالية التي وصلت إليها نصوصه ,خاصة هذه القصيدة التي يعدها الباحث من عيون الشعر العربي الحديث.السندباد من أهم الشخصيات التراثية حضورا في الشعر العربي(2),إذ وجد الشعراء في هذا الرمز ضالتهم المنشودة ومبتغاهم الفني بتصييره معادلا لإسقاطاتهم الرمزية, وحضوره المتجذر في الذاكرة الشعبية محملا برصيد نفسي وإيحائي لاشك أن بعثه شعريا يدفع هذه الإيحائية للارتقاء بأسلوب القصيدة إلى مستوي من الترميز المشحون بهالة من الدلالات التي يفجرها الرمز داخل سياقه الشعري فالسندباد “شخصية رمزية من الطراز الأول يجتمع فيها أكثر من مستوى من الدلالة والمغزى” (3) وتبعا لذلك فقد استهوت الشاعر العربي المعاصر فكان توظيفه لها يعد ” مسلكا إلى تجاوز الواقع العربي المهزوم واستشرافا إلى عوالم أكثر رحابة تمكنه من تحقيق ذاته الفردية والجماعية لأن دلالة السندباد من الناحية الرمزية ذات بعدين بعد فردي يجلي من خلاله فرادته الشخصية وبعد جماعي تتفرع قيمته في حقل التجربة الإنسانية التي تتمثل في رحابة حضورها عبر الزمان والمكان”(4) وهذا ما دفع بالدكتور (عز الدين إسماعيل) إلى تأكيد هذه الثنائية فهذه الشخصية في نظره”عادية على المستوى الجمعي للإنسان لأن قصة الإنسانية إجمالا هي قصة المغامرة في سبيل كشف المجهول وهي غير عادية على المستوى الفردي لأننا ألفنا الفرد الذي تتلخص فيه التجربة الإنسانية نادرا”(5) وتاكيدا على ماسبق يرى الدكتور( كاملي بلحاج) أن أسطورة (السندباد) “تفجر لدى المتلقي حقولا دلالية متعددة وتجليات لا نهائية وما جعل الشاعر العربي المعاصر يتماهى بها إبداعيا متخذا منها رمزا لتجسيد رؤيته والتعبير عن جوانب تجربته “(6).
ويجدر بنا قبل الولوج إلى القصيدة أن نشير إلى التعالق الماثل بينها وبين قصيدتي (وجوه السندباد) و(السندباد في رحلته الثامنة) للشاعر اللبناني(خليل حاوي),والقصيدة في مضمونها ترصد موقف الشاعر إزاء الواقع العربي ,كما أنها تستعير بعض إشاراتها من حدث انتحار الشاعر اللبناني(خليل حاوي),ومن الحدث الجلل الذي ألم بالأمة العربية وحالة الانكسار التي عصفت بها إبان الاجتياح الإسرائيلي لـ(لبنان),ولا شك أن الرمز(السندباد) يذهب للتلبس في شخص الشاعر (خليل حاوي) فالسندباد هو في الأساس مرموزه وقد التقاه في نصوصه وتجربته التي كان (السندباد) فيها رمزا للإنسان العربي الصاعد(7) وتجسيدا لـ”طموحه اللامتناهي إلى الحرية والانسلاخ من القيود والرغبة في الكشف عن المجهول والغامض بالمغامرة وركوب الخطر وتخطى الصعاب وتجاوز المكرور السائد”(8),وقد حرص الشاعر على أن لا يفöوت على القارئ فرصة الإمساك ببعض شفرات القصيدة,وذلك بالمساهمة في فك رموزها وفتح بعض مغاليقها,مثلما هو منوه في استهلالة القصيدة التي كرست عناصر القص بآلية السرد واعتماد التشخيص التاريخي,وتسميات الشخصيات, وفي تعيينات المكان والزمان على النحو الآتي:
“انتحر سقراط مرغما في أثينا وأثينا اليوم تنتحر في بيروت والشاعر خليل حاوي ينتحر ما بين بيروت وأثينا وبين الانتحار والانتحار رحلة قام بها السندباد المغامر .. وكانت رحلته الأخيرة فهل بدأت الرحلة من الجزر حول أثينا وبيروت¿ أم أن الجزر وحدها هي التي أبحرت في ظمأ الصحراء وزبد الشواطئ¿”(9).
وبمثل ما انتهي الشرفي في استهلالته النثرية بطرح التساؤل الناقد للوضع العربي الراهن ووضع علامة الاستفهام سعيا إلى إشراك المتلقي في تحصيل الإجابة وإدراك أبعاد الرؤيافإن نص القصيدة يطرح ذات التساؤل منذ الإشارات الشعرية الأولى للقصيدة
ما للبحار ترجلت للسندباد¿
ما للشواطئ أبحرت في جرحه
وتح

قد يعجبك ايضا