موúعöد (قöرöنúتöي)

علي بارجاء


 - حين تريد جهة ما أن تقيم حفلا أو لقاء أو محاضرة في مناسبة ما أو بشكل دوري في أيام محددة تعلن تلك الجهة عن ذلك أو ترسل دعوات مخصوصة يحدد فيهما اليوم والساعة أو يحدد الوقت بعد أداء الصلاة في المساجد كالعصر أو المغرب أو الع

حين تريد جهة ما أن تقيم حفلا أو لقاء أو محاضرة في مناسبة ما أو بشكل دوري في أيام محددة تعلن تلك الجهة عن ذلك أو ترسل دعوات مخصوصة يحدد فيهما اليوم والساعة أو يحدد الوقت بعد أداء الصلاة في المساجد كالعصر أو المغرب أو العشاء فتكون النتيجة تأخر البدء عن الوقت المحدد بما لا يقل عن نصف ساعة وربما يزيد عنها وقد يحضر ذوو الشأن ولكن يتأخر المدعوون الذين لا يأتون عادة دفعة واحدة على رأس الموعد وقد يحدث العكس فيحضر المدعوون ولكن يتأخر ذوو الشأن وقلما تجد شيئا من ذلك يبدأ في موعده بالدقيقة والثانية إن لم يكن نادر الحدوث وبخاصة إذا ارتبط الأمر بحضور مسؤول حكومي أو شخصية كبيرة.
وينتظر الحاضرون بدء ما جاءوا من أجله فينشغلون بالأحاديث الجانبية ثم تراهم وقد بدأوا يختلسون النظر إلى ساعاتهم ثم يبدأ الملل يتسلل إلى نفوسهم من طول الانتظار وقد يتجرأ من يقدöر قيمة الوقت بالإيماء إلى ذوي الشأن لاستعجالهم بالبدء بينما يغادر من يرى أن انتظاره قد يطول وأن بقاءه سيؤخره عن التزاماته أو عاداته اليومية الأخرى.
تأخير المواعيد حكاية تتكرر حتى ألفها الجميع وصارت سلوكا وعادة مجتمعية لا يمكن تغييرها أو الاعتراض عليها بل أصبح المعترض عرضة للوم والتعيير بعبارات السخرية والتندر. وحين يسأل أحدهم من يجلس بجانبه: متى سيبدأون¿ فلن يسمع من الإجابات سوى: مواعيد عرب! أو: موعد علي عربي! أو: اصبر أنت في اليمن! وغير ذلك وهي إجابات تقال باقتناع تام وإن حملت في نبراتها السخرية والضحك.
هذه هي حالنا مع المواعيد وهذا هو موقفنا من الوقت نبدده في لا شيء حتى سقطنا من عين الزمن الذي يمضي إلى الأمام ويتجاوزنا ونقف نحن في مواضعنا بل نعود القهقرى!
قد يقول قائل: هكذا هم العرب لا يعيرون الوقت اهتماما ولا يدركون قيمته وقد يضرب بعرقوب مثلا للمماطلة في الموعد وإخلاف الوعد والعلاقة بين عرقوب وصاحبه هي العلاقة نفسها بين الداعي والمدعو من جهة تناصية فكما أن صاحب عرقوب كان يأتيه في موعده فإن من المدعوين من يأتي على رأس الموعد وإن كانوا هم القلة التي ظلت تحترم الوقت وتقدره حق قدúره.
تأخير الشيء عن موعده ليس عادة أو سلوكا للإنسان العربي والمسلم بخاصة الذي يعرف أن (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) فأوقات الأذان وإقامة الصلاة في المساجد تقام منذ خمسة عشر قرنا في مواعيدها أفلا يكفي هذا ليجعل العرب والمسلمين أحرص الناس على الوقت ويتعلموا من أداء الصلاة في وقتها إنجاز كل شيء في موعده¿.
وفي زمن أصبحت فيه الساعات تحاصرنا في كل مكان ابتداء من ساعات الحائط والمنبه وساعات الهواتف وساعات التلفاز وساعات الأقلام وحتى ساعات القداحات لا زلنا في عدم وئام مع الوقت!
لقد حل الإنجليز في أماكننا فصاروا مضرب المثل في الحفاظ على دقة المواعيد وأصبحنا نقول: (موعد إنجليزي) وشاعت بين الخاصة والعامة كلمة (قöرöنúتöي) ويعنون بها بلدة (جرينتش) في مدينة لندن في إشارة خفية إلى ساعة (بيج بن) التي بدأت تعمل منذ الثالث من يونيو سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف ميلادية (ولها نموذج مصغر في مدينة عدن) وتحولت دلالتها في استخدامنا من اسم بلدة إلى معنى الضبط في تحديد وقت الموعد وتنفيذه إذا طلبناه من غيرنا أو طلبه غيرنا منا فنقول له: (موعدنا الساعة كذا وكذا قöرöنúتöي¿) ومع ذلك قد لا يتحقق الإيفاء بالموعد في وقته لأن الخلل فينا وليس في ساعة (بيج بن) بحسب توقيت جرينتش التي ظلت تعمل بكفاءة منذ إنشائها وظل العالم يضبط أوقاته ومواعيده عليها حتى اليوم.

قد يعجبك ايضا