العائد إلى الحياة

د. ياسين عبدالعليم القباطي

 -  قصة واقعية لمصاب بمرض الجذام تغلب على المرض وأنتصر عليه وما زال يعمل في برنامج مكافحة الجذام هو الحاج أحمد عزيز  أبو حسن من بيت أبوحسن عزلة الكينعية آنس.
الحلقة 42
العائد إلى الحياة
د. ياسين عبدالعليم القباطي –

قصة واقعية لمصاب بمرض الجذام تغلب على المرض وأنتصر عليه وما زال يعمل في برنامج مكافحة الجذام هو الحاج أحمد عزيز أبو حسن من بيت أبوحسن عزلة الكينعية آنس.
الحلقة 42
العائد إلى الحياة
حصل أخي محمد على إجازة من معسكره في الحديدة نقلته سيارة جيش في الصباح الباكر وصل تعز بعد غياب الشمس جسمه وثيابه العسكرية مغمورة بالتراب 370 كيلو من معسكره إلى الحصب في تعز استغرق يوما كاملا في طريق غير معبد يمتلئ بمعدات شق وسفلتة الطريق مزارع وصحراء وجبال تعيق السير بين تعز والحديدة طريق وعرة يمهدها الاتحاد السوفيتي هدية للثورة اليمنية. وصل محمد إلى قسم الجذام ليرفع رأسي عاليا بين المعزولين المبعدين أخي جندي في جيش الثورة يزورني في مستعمرة الجذام لم تخفه رصاص الملكيين ولا يخاف الجذام أفتخر بزيارته لي. عمي محمد الآنسي فتح لنا بيته استضافه وأطعمنا من المطبخ الآنسي التي تديره زوجته ما ألذ الأكل في البيوت أكل بلدي آنسي. قريبا ستتلاشى عزلتي سأغادر هذه المستعمرة إلى قريتي في أنس سأزور أهلي بعد غياب ثلاث سنين اشتقت لك ياحمام علي لينابيعك الدافئة وللبرتقال في حقولك.
كنت قد جمعت بعض المال من عملي بالحقول ومن بيع الحجارة فذهبت إلى سوق الشنيني وشارع الجمهورية اشتريت بعض الأقمشة لعمتي سابرة وقميص جديد لأخي عبدالعزيز وكمر لابن عمي محمد علي حان وقت السفر حملت الهدايا على ظهري وتوجهت مع محمد أخي وهو يلبس ملابسه العسكرية وأنا أسير بجانبه رافعا رأسي عاليا بكل فخر أخي من أبطال الثورة وحماة الجمهورية وصلنا حوض الملك الأشراف وركبنا من موقف السيارات هناك متوجهين إلى ذمار ومنها إلى بيت أبو حسن عن طريق عقبة المصينعة.
في آنس لم يصدق الناس أنني عدت كنت كالعائد من الموت في صحة جيدة ممتلئ الوجه لا يوجد علي آثار المرض أبتسم فرحا بعودتي أصافح كل من قابلني وأحضنه أنا فخور بأخي الجندي الشجاع محمد وهو يلبس ملابس جيش الجمهورية يتغامز بعض بقايا الملكيين عندما يشاهدون ملابسه ولا أحد يسخر مني أو يتغامز كانت الراحة ظاهرة على ملامحي وآثار الجذام مختفية لا أحد يلاحظ سقوط شعر حواجبي استقبلني الناس بالترحاب والفرح فقد كنت عندهم كالعائد إلى الحياة.
وا أسفي دارنا العامرة صارت خالية من النساء والرجال زوجة أخي مريضة في بيت أمها طريحة الفراش لا بقر في دارنا لا حمير كل مواشينا انتهت بالموت أو البيع أخي الكبير عبد الولي قد غادر إلى السعودية وأخي الصغير عبد العزيز راع لغنم عمي ناصر عمتي سابرة ما زالت حية تأتي إلى منزلنا وتطبخ لنا الطعام كما كانت تفعل عندما فقدنا أمنا ونحن أطفال. آنس ما زالت كما تركتها لا مدارس لا أطباء لا علاج من يمرض يبقى على فراشه مع بعض التمائم والأعشاب وقراءة القرآن حتى يشفيه الله أو يموت. استمتعت بكل شيء في آنس شهر كامل زرت فيها الشعاب والضياح والجبال التي كنت أرعى غنمي فيها شربت من ماء العيون تذكرت طفولتي مر الوقت سريعا وجاءت لحظة عودتي إلى تعز حيث سأقضي بقية عمري ودعت أهلي وقريتي وغادرت إلى موطن وأهل جدد.
عدت إلى قسم الجذام إلى مستعمرتي التي عزلت نفسي فيها مجتمع متآلف يشبهني هنا لا أحد يعيبني ولا أحد يسخر مني أمارس عملي في الزراعة وتقطيع الحجارة وفي الليل أذاكر وأدرس عند الأستاذ محمد عقلان أكملت منهج الرابع ابتدائي وعمري ثمانية عشر عاما.
ساءت حالة الجيش والبلاد بعد مؤتمر القمة في الخرطوم واتفاقية اليمن بين عبدالناصر وفيصل انتشر الفساد الإداري خلال ثلاث سنوات في عهد القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري وعاد الكثير من الملكيين ليتولون المناصب بعد هزيمة الملكيين واعترفت السعودية بالجمهورية وتوقفت الحرب فقرر أخي محمد ترك الجيش والسفر للعمل في السعودية حيث لا قيود على سفر اليمنيين ولا كفيل عليهم حسب اتفاقية الطائف عبدالولي ومحمد يرسلان لي مصاريف من السعودية إلى تعز عبر مكتب بغلف في شارع الجمهورية. عاد عبدالولي ومحمد من السعودية عبر الحديدة ليزوروني للمرة الثالثة في مستعمرة الجذام وصلا مع بداية 1971 كانا يحملان الكثير من المال بعد أربع سنوات قضاها عبدالولي في السعودية وسنة واحدة عمل فيها محمد معه كنت قد صرت رجلا طويلا ممتلئ الجسم شاهدني عبدالولي بعد غياب خمس سنوات انبهر بمنظر جسمي السليم فقال لي ” أحمد ابحث لك عن زوجة وكل مصاريف زواجك سوف أدفعها لك ” لم أكن أفكر بالزواج ولا خطر ببالي حتى كلمني عنه عبدالولي الذي ترك معي مالا

قد يعجبك ايضا