في ثنايا الوضع الراهن
أحمد الشرعبي
منذ الوهلة الأولى من إطلالة الدور الخليجي المكرس لإخماد تداعيات الخطر وتأثيره الفاجع على وحدة واستقرار اليمن وقف أبناء هذا البلد بكل جوارحهم موقف ترحيب بالجهد الإقليمي المسنود دوليا ولم يكن على بال أحد من المواطنين إرسال هواجسه إلى ما وراء الأكمة بعد ما كان مبلغ العلم من مجريات الأحداث أن طرفي الصراع يدفعان بجنود ومدنيين ــ نساء وشبابا راتعا أو رضعا ــ من غير أبنائهم للاقتتال في شوارع العاصمة صنعاء على حين يرتديان طاقية الإخفاء ويخوضان في الوقت نفسه حوارا مغلقا أثمر توافقا أطلق عليه لاحقا (المبادرة الخليجية)..
الآن وبعدما يقارب العامين ليس أمامنا غير البناء على ما انضجته التسوية من عشب أو حطب أو صيد بري.
شيئان نفترض في أشقاء اليمن أولا وأصدقائه ــ إن شاءوا ــ حشد الدعم الكامل لهما..مؤتمر الحوار بمخرجاته والرئيس المنتخب من الشعب بأدواته الضامنة إجراءات التنفيذ ويتعين ــ إن لم نقل يجب ــ أن لا نضع أحدهما مكان الآخر أو منازعا له أو شماعة يلوذ بها لإلقاء مسؤوليات فشله على هلاميات التلاسن والمواربة كما يحدث اليوم على صعيد تبادل الاتهامات بين طرفي الصراع المتقاسمين حكومة الوفاق..
نقول هذا من منطلق الحياد الكامل مع أنه لا حياد في قضايا الأوطان عموما أما في حال اليمن فمهما تفاقم العمى أو عم معظم ساسته فإن اللغة بمصطلحاتها المهذبة لم تعد تقبل تسمية الأعور فريدا..¿
الخليجيون مطالبون بتدارك مأزق النظر إلى اليمن من خلال ثقب الصراع وكوكتيل الأيدلوجيا والقبيلة والسلاح!! ولا يجوزللمبادر أن يغدو متفرجا وكيف له بذلك ومختلف الاعتمالات الدقيقة على الساحة اليمنية ممهورة ببصمته موصولة بمبادرته ومغروزة في العمق من تاريخه السياسي المعاصر.
ولا ريب أن نحو 90% من أبناء اليمن أجلوا ملاحظاتهم الجوهرية على مواطن الخلل في بنود المبادرة الخليجية ريثما يتوقف سجال السلاح ويحين وعد المراجعة والتقويم ولم تكن تلك الملاحظات لتؤثر على ثقة جماهير الشعب بحرص الأشقاء وقدرتهم على معاينة جدوى الحلول النظرية خلال مراحل تطبيقها على الواقع.
كان الأصل أن يبدأ الحوار سياسيا بين أطراف الصراع “المؤتمر والمشترك” وعند توصلهما إلى وثيقة اتفاق يفوضان فريقا منهما للحوار مع حراك الجنوب وجماعات السلاح في الشمال ومعارضة الخارج وبؤر التطرف وبخروج هذه الأطراف من نفق الصراع وخلاصها نسبيا من ضغائن الماضي وتوصلها إلى رؤية توافقية تؤكد انفصالها عن رواسب وقيود الإرث التاريخي في تجاربها المشتركة حينها يكون على كل طرف إعادة صياغة برنامجه السياسي في ضوء تلك الرؤية وبهذه الطريقة يصبح الماضي جزءا من جدلية الحاضر لينطلق القطار من موضوعاته السياسية إلى مرحلة الحوار الوطني مع قوى التغيير ــ الضحايا ــ صاحبة المصلحة الحقيقية في بناء الحاضر من مفكرين ورأسمال وعلماء ونساء وشباب وتنظيمات سياسية جديدة ومنظمات إبداعية وجماهيرية وتنموية.
وفي مثل هذه التراتبية يكون الحوار الوطني محصنا من النزوات الفردية والحسابات الضيقة ونزعة البطولات الشخصية لأنه سيدور بين توجهات برامجية تمثل قناعات ورؤى ومواقف القاعدة العريضة من أعضاء وأنصار كل مكون سياسي أو اجتماعي.
وبمعنى آخر يصبح إجماع الفرقاء ووعيهم بماهية المصالح الوطنية العليا منطلق من وضوح المحددات الرئيسية للعقد الاجتماعي (الدستور الجديد) فيما يقتصر التنوع والتعدد على تباري الوسائل وافضليات تحقيق الأهداف العامة وتبعا لذلك يصوغ الناخب اختياراته وفقا لقواعد الكفاءة وجودة الأداء ومصداقية النتائج .
كان الأصل أن يعكف على دراسة الوضع في اليمن متخصصون ومراكز بحث محايدة يستعين المبادرون بجهودهم عند عرض مسودة المبادرة التي يتحمل الأشقاء مسؤوليتها أمام ضمائرهم قبل أن يكون التاريخ شاهدا على تلك المسؤولية وبهذا الصدد فإن ثمة أمورا بديهية يستحضرها العقل لحظة التفكير بمهام استثنائية..فلكي ينجز المرء مهمة انقاذية ما فإنه لا يمد يده مباشرة الى الغريق وإلا وقع إلى جواره في الغاطس لكنه يستعمل عöمته أو يتخذ لوحا خشبيا فيمسك أحد طرفيه بكل قوته ويرمي الآ