الحوار نعمة إذا فهمناه على حقيقته
أ.د/ عبدالله أحمد الذيفاني
إن الحوار نعمة من نعم الله إذا أحسن توظيفها وخلصت النوايا في إجرائها واجتمعت أطراف الحوار على قلب يؤمن باللفظ والمعنى أكثر من إيمانه بأي لغة أخرى بل عليهم جميعا أن يؤمنوا باللغة والمنطق وإعمال العقل ويكفرون بغير ذلك فالرصاص والسلاح واستعراض القوة هي لغة الجبان الخائف الذي يقف على أرضية هشة من المبررات وتقوم حركته على واجهات لا تقوى على مواجهة الحقيقة ولا تملك قوة الوقوف في محكمة العقل والمنطق وتتخندق بخندق الذرائع وتعيش كالخفافيش وتخرج في الظلام تقتنص الحقيقة وتزاحم في مسيرة البغي والمكر والكيد وتعمل جاهدة على تصدر الصفوف الأولى في لحظات الضوء والادعاء..
إن الذين يعتقدون بأن رصاصاتهم هي التي تفرض وجودهم لا يقرأون التاريخ ولا يعتبرون بدروسه فالقارئ للتاريخ أن قوى التمرد والقهر والفشل رمت بها الأحداث في مزبلة التاريخ وصاروا أثرا بعد عين..
إن من أبجديات الحوار هو التسليم بلغة العقل ورفض لغة القوة بيد أن الملاحظ أن من تحتويهم قاعات الحوار يرفسون برجل وقدم بالقوة واستخدام لغة السلاح والعنف وبقدم أخرى في الحوار وبدون عقل لأن القدم لا تمتلك ذلك يزعمون أنهم يحاورون وهم في حقيقة الأمر يمارسون الرفس أيضا ولكن باستخدام مفردات تعكر صفو الحوار وتشيع فيه خلافات وتحفر فيه خنادق وتعز فيه بالمصالح العليا للوطن وتهدم ما يبنى في جلسات الحوار من تفاهم وتصالح وتقارب على طريق الخروج إلى فضاءات الدولة المدنية الحديثة..
إن الذين يعتقدون أنهم يجيدون التمثيل واللعب على الحبال يتناسون أن كثيرا من الذين مارسوا هذا انتهى بهم الأمر إلى الوقوع والاستقرار في قعر لا يستطيعون الخروج منه ويهيل عليهم الزمن تراب الذل والمهانة ويصبحون مثلا في التاريخ يتداوله الناس للعظة والعبرة.
إن الذين يرفعون راية المناطقية والطائفية والمذهبية في قاعات الحوار يرفعون رايات التشظية والتمزيق وحفر خنادق للمواجهات المستقبلية بين الفرقاء الذين تصنفهم آلة الإعلام المضللة وتخرجهم من زواياهم المظلمة مزاعم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحوار لغة راقية لا يرتقي إلى مستواها إلا الذين يدركون معنى صناعة السلام والمحبة والتعايش وهي صنعة لا يجيدها صغار النفوس ولا يتقنها أصحاب الزعانف الصناعية والذين يتنفسون من تحت الرماد الذي يغطي جيف الكيد ونتن التآمر وقبح الفعل وشذوذ الممارسة التي لا يمارسها إلا خارج عن الجماعة ولا يتبعها إلا متبع لفرقة ولا يطرب لها إلا عازف على أوتار الفجيعة والدم والمستقبل المظلم.
إلى الذين قبلوا أن يكونوا في دائرة الاحتكام إلى المصلحة العليا عليهم أن يحتكموا لهذه الدائرة ويقبلوا أن تكون مصالحهم في مستوى أدنى وعليهم أن يقبلوا أن لا يدفنوا رؤوسهم عن الحق ويخرجوها لتدمير الحق والوقوف ضده.
إن اليمن أيها الإخوة لا تريد محاور يقاتل طرفا افترق معه بالرأي ولا تريد محاورا يدعي وصلا بالسلام وهو يدمر سبل السلام ولا تريد محاورا يدندن حول الدولة المدنية ويعمل على الأرض وفي الواقع لتدمير كل وسيلة تسعى لذلك وسد كل الطرق المؤدية إليه يكفي اليمن دماء ونزيف مستمر للطموحات والعقول والحقوق والثروة والإنسان ويكفي اليمن بكاء وحنينا إلى التاريخ البعيد ويكفي اليمن ادعاءات بحق ولايتها والتحكم بمصائر أبنائها تحت أي ذريعة وتحت أي راية أو مزاعم.
اليمن أيها الإخوة بعد الحادي عشر من فبراير قد شبت عن الطوق فلا إمامة تريد ولا سلطة لا طعم لها ولا لون ولا عصابة تحكمها بأي مسمى من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان كما أن اليمن قد كبرت على المذهب وتجاوزت الادعاءات المذهبية وصارت هي المذهب الأوحد الذي ينبغي أن يتحلق حوله الجميع.
فهل تدرك هذه الحقيقة ما لم فالقادم أكثر “غدرة” وقتامة من أي فترة مضت من فترات الطغيان والافتراق والاحتراب الدموي.
والله من وراء القصد