يقتلون بعضهم بامتنان!!
عبدالله السالمي
يقدöم الذين يقتلون بعضهم بعضا بمزاعم دينية فلسفة للإنسان والحياة في منتهى العبثية واللامعنى.
لنأخذ الحوثي والسلفي كأقرب مثال فكما يعتقد السلفي أنه يعجöل بإرسال الحوثي إلى جهنم يعتقد الحوثي أنه يعجöل بإرسال السلفي إلى الجحيم. غير أن اعتقاد كل مöن الطرفين أن قتلاه في الجنة وقتلى خصمه في النار يفصöح – ويا للمفارقة – عن أنهما مدينانö لبعضهما بكلمة شكر مقابل قيام كل منهما بإزهاق روح الآخر وسفك دمه!!
جرöبوا النظر مöن زاوية ما يعتقد الحوثي أن السلفي يرسله إليها وما يعتقد السلفي أن الحوثي يرسله إليها (فكلاهما يعتقد أن الآخر يعجöل بإرساله إلى الفردوس!) لا مöن زاوية ما يعتقد السلفي أنه يرسل الحوثي إليها وما يعتقد الحوثي أنه يرسل السلفي إليها (فكلاهما يعتقد أنه يعجöل بإرسال الآخر إلى الجحيم!).
ألا يبدو لكم وفق هذا المنطق الديني المزعوم الذي يشترك الحوثي والسلفي في الصدور عنه أن عليهما وهما يسقطان قتيليúنö على أيدي بعض أن يبتسما لبعض تعبيرا عن الامتنان طالما وكل منهما يعتقد أن الآخر حقق له حلمه وعجل بإرساله إلى «الجنة»¿!
إن النظر مöن زاوية ما يعتقد القاتل (واصفا نفسه بالمجاهد) أنه رمى بالقتيل فيها وهي النار يختلف تماما مöن حيث المقدمات والنتائج عن النظر مöن زاوية ما يعتقد القتيل (واصفا نفسه بالشهيد) أن القاتل بعث به إليها وهي الجنة. يأخذ المنظور الأول جانب دوافع الحوثيين والسلفيين وهم يقتلون بعضهم بينما يأخذ المنظور الثاني جانب غايات السلفيين والحوثيين وهم يقتلون على أيدي بعضهم.
قد يبدو هذا مöن قبيل التلاعب بالألفاظ لكنه في الحقيقة ليس كذلك فمöن حيث إن كلا مöن الحوثي والسلفي يسمöي حربه على الآخر جهادا ومöن حيث إن كلا منهما يسمöي القتلى في صفوفه بالشهداء – والاستشهاد وفق المنطق الديني الذي يدينان به أسúرع الطرق وأقربها إلى الجنة – فإن كلا منهما ينظر إلى الآخر بوصفه شرط وجوده ووسيلته إلى بلوغ غايته.
وهذه الغاية وفق ذات المنطق طبعا بقدر ما تتحقق بالظفر بالخصم والنيل منه تتحقق أيضا بالموت على يديه. ما يعني أن موت الحوثيين على أيدي السلفيين هو في حد ذاته غاية للحوثيين وأن موت السلفيين على أيدي الحوثيين هو في حد ذاته كذلك غاية للسلفيين إذ كلاهما يعتقد أنه بموته على يد الآخر إنما يفوز بـ«الشهادة» التي هي «إöحúدى الحسúنييúن»!!
أحسب أن علي التوقف هنا فالنظرة العابثة للإنسان والحياة في حكاية الذين يقتلون بعضهم بعضا بمزاعم دينية أوúضح مöن أن توضح. ولأن هذه العبارة ليست خاتمة جيدة لمقالة خيم عليها شبح «الموت» سأستعير مöن المفكر التونسي الدكتور فتحي المسكيني عبارته التي ضمنها توطئة كتابه (الفيلسوف والإمبراطورية: في تنوير الإنسان الأخير): «لنكف عن استعمال الموت كأنه المخزون الاستراتيجي لأمة بلا أفق».