»الجنقو« رواية المتعة والألم

محمد الغربي عمران

 - مدينة (القضارف) شرق السودان على حدود أثيوبيا وارتيريا , تقع على سهول زراعية شاسعة, وخشم القربة, ونهر القاش .ديم النور جزء من القضارف.لكنها الحلة الفضاء التي حولها عبد العزيز بركة ساكن إلى مسرح لجمل رواية. سنوات
مدينة (القضارف) شرق السودان على حدود أثيوبيا وارتيريا , تقع على سهول زراعية شاسعة, وخشم القربة, ونهر القاش .ديم النور جزء من القضارف.لكنها الحلة الفضاء التي حولها عبد العزيز بركة ساكن إلى مسرح لجمل رواية. سنوات طفولتي الأولى أو بالأحرى سنتين قضيتهم ا في مدينة القضارف, كان عمري حينها بين الثامنة والعاشرة, درست أولى سنوات الابتدائية في مدرسة قبطية (الاتحادية) لم أعرف نواحي القضارف كلها , عدا بعض الزيارات لنهر القاش في موسم الفيضان وزيارات قليلة إلى مزارع الفول السوداني(المررو) والسمسم. وأطراف القضارف ديم النور. رواية الجنقو الصادرة من دار أوراق في القاهرة ط (3) لعام 2012 م في 378صفحة قدمت لي تلك المدينة وتلك الأنحاء على بساط ساحر وشيق. الرواية تناولت حياة مجتمع عجيب يتكون من مزيج بشري فريد من غرب السودان كعمال زراعيين لجمع المحصول, وقرى على الحدود أثيوبيات والارتيريات يعبرن الحدود لتوفير خدمات لذلك المجتمع الطارئ من أطعمة ومشروبات (عرقي) ودعارة. إلى تجار ومضاربين وموظفين حكوميين. وموظفي شركات. وجنود ومتمردين. أفرادا وجماعات تتجمع لتتنقل في أعمال مختلفة باختلاف فصول السنة ومواسمها. خلال تلك الفصول تنشأ علاقات متشعبة بين نساء عابرات للحدود وعمال قادمين من اقليم دار فور على الحدود التشادية.وآخرين من بقاع كثيرة داخل السودان. تأتي الرواية على لسان الراوي المشارك كإحدى شخصيات الرواية والذي يحكي دون أن يذكر له اسم حتى السطر الأخير للرواية حين يوحي الكاتب بأنه هو شخصية الرواية الغامضة, ولذلك يظل طوال الرواية دون اسم أو ملامح أو خصائص, فقط شخص مرافقا لزميل له يملك من المال ما يكفيه للتنقل والحياة بشكل جيد . لايكتفي الكاتب براو بل يلجأ لتعدد الرواة من خلال حكايات تحكيها شخصيات الرواية كود أمونة(كمال الدين) الذي يسرد بين فينة وأخرى حكاية طفولته مرافقا لأمه في السجن إلى خروجه برفقة (العازة) إحدى سجينات سجن ديم النور بعد الإفراج عنها.ثم يحكي مختار علي أحد الشخصيات وهو من الجنقو الذين أتوا منذ ستين عاما إلى الحلة ولم يعد من يومها إلى أهله. يحكي كراوي تحت الرواكيب بشكل ونسة.ثم راو أو راوية أخرى وهكذا تتحول الرواية إلى منادمة رقيقة وشفيفة بين شخوص الرواية ليعيش القارئ في مسامرات وونسة متداخلة. الرواية ترصد تطور ذلك المجتمع. بدأ من نواة الحلة حوش يضم عشرات القطاطي والرواكيب إلى أن توسعت الأرض المزروعة وزادت مشاريع السمسم والعيش والفول السوداني واتسعت الحلة لتدخل عليها خدمات الدولة كمشروع الإيصالات ومبنى البنك. وثكنات العساكر. هي ليست حكاية شخص بعينه بحيث نستطيع أن نجزم بأنها حكاية الشخصية الرئيسية, رواية متعددة الرؤوس, أو بالأصح رواية الإنسان الهامشي. قاع المجتمع -وكلنا قاع- فهل هي حكاية آمنة التي تسجن في سجن ديم النور بالقضارف, تسجن لأنهم ضبطوها واتهموها بتصنيع عرقي البلح(خمور), أو أنها حكاية الشامة المسجونة بتهمة قتل زوجها أم أنها حكاية العازة,المسجونة بعد أن ضبطوها في منزل عزابة ولم يسألوا أحدا منهم,وتهمة أخرى المتاجرة في الممنوعات . أم أنها حكاية (ألم قöشöي) تلك الأنثى التي تدور حولها الشائعات بأنها من نسل الجن. او الصافية التي تحكى عنها الحكايات عن ممارسة الجنس كما يمارسه الرجال مع ود فور ومختار علي وصديق الراوي, أو حكاية بيت (أدي الام) الذي يعتبر مأوى للكثيرات من النساء والجنقو والجنقو جورايات . وهي محور كل البيوت وكل الوافدين إلى الحلة من عمال وباحثات عن عمل وطالبي المتع. أم أنها حكايات مختار علي, بخيتة, ادليا دانيال, عبده ارامان, كلثومة ,لام دنق, ابرهيت, زينب. ادريسيت. النور. عنقرة. الفكيه علي الزغراد. ومن ناحية أخرى هي ليست حكاية مدينة بعينها أو تجمع سكاني محدد وإن ركز الكاتب على ذلك المجتمع الذي يتشكل مع ظروف بعينها (الحلة) ويتغير مع تغير تلك الظروف, فهي رواية مجتمع لا يشبهه أي مجتمع , ليتمثل لنا السودان ومجتمعات من خارج السودان من إنسان دار فور في أقصى الغرب الى تسني في اريتريا والحمرة باثيوبيا الى باسوندا الى النوبة وكردفان والشايقي والجعالي والفلاتة والتكروني والدنقلاوي والرشايدة والفدادية والزغاوة والنوبة والحلفاوية حتى همدائييت وتجمعات سكاني ارتيريا وأثيوبيا على الحدود. تتعايش عدة لهجات وعدة لغات منها العربية الامهرية والتجرنة…الخ في نسيج ذلك المجتمع الإنساني الفريد. رواية مجتمع منسي قدمه لنا الكاتب بمهارة المبدع الكبير كمجتمع متفرد, قد يبدو ذلك المجتمع غريبا في بداية الأمر للقارئ الذي لا يعرف طبيعة المجتمع السوداني وبالذا

قد يعجبك ايضا