شكرا أيها الموز
خالد الصعفاني
خالد الصعفاني –
.. بات في حكم الثابت أن السوق اليمني أصبح أحد أبرز الأسواق التي تعج بالغريب والعجيب , فالمنتجات بلا حصر وبعضها غير معروف العائلة أو المولد , والأسعار جنون بقر مستمر لا ثبات ولا عقل في كثير الأحيان , وحضور حكومي يبدو على مقولة ” خلي البساط احمدي ” ..
.. أما النتيجة العامة فأتحدي أي عائل أسرة أن ينجح في عمل موازنة تقديرية وتدبير مبلغ الراتب كثر أو قل على الشهر أو حتى على معظمه .. والعنوان الآخر الكبير أصبح على لساننا : ما فيش بركة .. رغم أن الأكثر دقة أن جنون الأسعار اخذ كل بركة واغتال كل زيادة وأوهن أحلام الكثيرين وهم يطمحون للكفاف والعيش الكريم على الأقل ..
.. في الهند مثلا تجد ما يشبه الختم مطبوعا على جميع السلع حتى على مستوى حبة البيض الواحدة السعر فيها .. ليس هذا فحسب فلديهم في الإعلام رسالة سامية أخرى ضمن رسائل كثيرة حيث يمكنك أن تشتري جريدة حكومية أو جريدة اقتصادية متخصصة لتعرف منها كل أسعار السلع ويوميا .. شخصيا لم استوعب كيف تنجز حكومة الهند أمورا بهذا التفصيل والانضباط في بلد هو عبارة عن قارة وموج من البشر من كل لون وعرق ودين ..
.. وفي مصر مثلا لم أجد طوابع أسعار ولا قوائم أسعار في الجرايد لكنني لمست في ثلاث زيارات لأرض الكنانة ضبطا حكوميا للأسعار وخصوصا أسعار الغذاء والدواء والمواصلات العامة .. وكاليمن تماما لو توافر الواحد على دخل معقول ومتوسط عالميا لأمكن أن يعيش أميرا لأن الأمانة تفرض علي أن اشهد بأن الأسعار عامة في ثلاثتها معقولة بل وفي حكم الرخيص لكن المشكلة هي في الدخل الشهري أولا وفي أولوياتنا ثانيا..
.. في بلادنا ربما تكون المشكلة في الأسواق أكبر بكثير من غيرها لو دخلنا في تفاصيل المقارنات .. منتجات ضعيفة البنيان وهزيلة التكوين , وأخرى غير معروفة المصدر أو حتى غير مأمونة الآثار المباشرة أو الجانبية , ومنتجات كل يوم بسعر بل وحتى على مستوى الشارع الواحد ..
.. أنا أسجل إعجابي الشديد بالحضور المعقول والصحي لقطاع الخضروات والفواكه في بلادنا وهو نتاج مباشر لخير هذه الأرض الطيبة فهما معروضان طوال العام وبأسعار معقولة جدا إجمالا وفي المتناول خصوصا مع فوارق الجودة التي تجعل الواحد يختار أي نوع خضرة وفاكهة يريد .. أقول .. رغم ذلك إلا أن المفاجآت تطالها أحيانا ولكنها أهون بكثير مقارنة بغيرها خصوصا تلك الغذائيات المتصلة بما يتم تصنيعه في بلادنا ..
.. أتذكر جيدا مقولة أن ” الموز ” فاكهة الملوك ” لكنني أتصور انه اليوم لم يعد إلا فاكهة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل , وبعيدا عن القيمة الغذائية وليس رخص السعر وهو ما كان وراء تلك المقولة إلا أن الثابت اليوم أن للموسرين فاكهتهم الخاصة وللمعسرين أخرى اقل جودة وتنوعا وطراوة أيضا ..
.. وحده الموز على ما أتذكر حافظ على مبلغ ” الصداق ” أما بقية الفاكهة فقد غالت في مهورها ومع ذلك يستطيع اليمني العادي أن يلمس خير بلده في الخضرة والفاكهة أكثر من أي شيء آخر , واسألوا السوبر والمحلات والعربيات التي تعرض منها كل شيء ولا يعود منها شيء ..
أخيرا :
.. في بلادنا نحن بحاجة ماسة لحكومة قريبة من معيشة الناس وأحوالهم تقوم عليها وترعاها ولا يكفي أن توفر راتبا في آخر الشهر ينفع البعض ” بالدهفة ” ولا ينفع الكثيرين , وهذا مع ذاك يسجل أدنى مستويات الحضور عالميا , مع فارق أن اليمني إما مسؤول حكومي يمكنه ” قرط ” المال العام بألف طريقة وطريقة وبالتالي لا يهمهم هام الأسعار وسقف متطلبات ربات البيوت , ويمني آخر تعلم بالتجربة ملائمة لحافه القصير بمدى احتياجاته الأقصر ورضي بالدون من اجل أن تستمر الحكاية .. أما أنا فأرسل شكري للموز باعتباره من السلع المعدودة جدا التي حافظت على العيش والملح بينها وبين اليمني حتى وإن لم نعد نرى الموز ” حق زمان ” ..!
khalidjet@gmail.com