مخرجات الحوار وصورة المستقبل

عبد الصمد القليسي

 - تتسرب معلومات عن مجريات الحوار الوطني يعتبر البعض أنها أصبحت أمرا واقعا أو أنها ستصبح كذلك حتما. هذه المعلومات تقول: إن اليمن الجديد سيعود إلى سابق عهده كشطرين أو ( إقليمين ! ) أو أنه سيقسم إلى أقاليم عدة تبدأ من ثلاثة وتنتهي إلى اعتماد المحافظات القائمة كأساس للتقسيم الإداري ويبدد الناس
تتسرب معلومات عن مجريات الحوار الوطني يعتبر البعض أنها أصبحت أمرا واقعا أو أنها ستصبح كذلك حتما. هذه المعلومات تقول: إن اليمن الجديد سيعود إلى سابق عهده كشطرين أو ( إقليمين ! ) أو أنه سيقسم إلى أقاليم عدة تبدأ من ثلاثة وتنتهي إلى اعتماد المحافظات القائمة كأساس للتقسيم الإداري ويبدد الناس تكهناتهم في جدال عن أفضلية هذه الهيكلية أو تلك دون استناد أي منهم إلى دراسات وبحوث معمقة ومقنعة ترجح أو تزكي أي من تلك التكهنات. ولو أن هذه القضية المبدئية الرئيسية والخطيرة قائمة على دراسات وبحوث محكمة لما اختلف الناس حول أي منها أفضل لمستقبل اليمن.
طرح أحد الناشطين السياسيين البارزين على الفيسبوك ( عمو علي ) استفتاء مسبقا – كما سماه – يستطلع آراء المشاركين على وسيلة التواصل المذكورة حول تفضيلهم لشكل الدولة المستقبلية ووضع لذلك ثلاثة خيارات. كان ردي عليه أنه لا يهم أن تكون القطة بيضاء أو سوداء المهم أن تصطاد الفئران! وقصدت أن الأولوية والأفضلية ليست لأي شكل مما تطرحه كل جماعة أو تجمع حسب المزاج الذي تمليه عليه رغبات أنانية لا تحسب لمستقبل البلاد برمتها أي حساب بل يجب أن تكون الأولوية والأفضلية المطلقة للشكل الذي يضمن تنمية متسارعة للوطن هو في أمس الحاجة إليها. ولن يتحقق ذلك إلا باختيار متعقل للنظام والهيكلية التي تضمن ذلك أو الأقرب لتحقيق ذلك. وفي ظني أن أية فئة أو جماعة لا تستطيع أن تضمن هذا الأساس الجوهري ( الأمن والاستقرار ) في ظل الشكل الذي تتمسك به. ذلك أن أي انتقال مفاجئ إلى أي نظام جديد سيكون قفزة إلى المجهول كما اعتاد اليمنيون على فعل ذلك مرارا وتكرارا ولابد لأي عاقل أن يتحسس مواضع قدمه قبل أن يخطو خطوة إلى الأمام. ويكفينا القفز على المراحل التي كسرت أقدامنا وحرق المراحل التي أحرقت بلادنا.
من هذا المنطلق أرجح أن بقاء اليمن على تقسيمه الإداري القائم الآن هو أفضل نقطة للبدء منها لأسباب عدة أهمها: أنه لن يطيح بالاستقرار النسبي القائم الذي يمكن في ظله ممارسة التدرج في إجراءات التحول الجوهري في تطبيق نظام حكم جديد وفقا لفكرة التجربة والخطأ. بمعنى أن تعطى المحافظة الجرعة اللازمة من الاستقلالية التي تقوى على استيعابها وتنفيذها وفي حالة عجزها عن الاستيعاب تتوقف الدولة عن تمكينها من المزيد حتى تستكمل المرحلة الأولى لكي لا تتراكم الأخطاء فيصعب حلها. أما إذا تمكنت المحافظة من الاستيعاب بقدر أسرع وأكبر من البرنامج الزمني المحدد عندئذ على الدولة تمكينها من المزيد من الصلاحيات والإمكانيات للمضي قدما. أما الانقلاب المفاجئ على هيكلية الدولة القائمة فإنه قد يغرق البلاد في مشكلات جديدة ستعجز عن حلها خاصة في ظل المرحلة الانتقالية المضطربة التي لم تنجز خلالها إعادة هيكلة القوت المسلحة والأمن وعموم مؤسسات الدولة على أسس وطنية.
وبالطبع فإن الضمانة الأساسية لتحقيق هذا التدرج هو تكوين قيادة جماعية للبلد متفق عليها من كافة الأوزان السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
ونحن نعلم تمام العلم أن مستويات النمو في مختلف المحافظات متفاوت إلى حدود لا يمكن قياسها لفقدان البحوث الإحصائية. وأنا لا أقصد بالنمو الشوارع المحفرة والقصور الفارهة والعمارات الضخمة فكل تلك مظاهر يطلق عليها الأستاذ فهمي هويدي تنمية سياحية وليست تنمية اقتصادية. فإذا تقصينا أسباب هذا القصور في عملية التنمية سنجد أن الدولة لم تعن بوضع خطط تنموية شاملة بالمعنى الصحيح وبتوزيع متوازن وفقا لإمكانات كل محافظة وليس أدل على ذلك أن شريان الكهرباء يمتد بطول مناطق غارقة في الظلام. ونحن نعلم أن بعض المحافظات تفتقر إلى الموارد البشرية من الكفاءات الإدارية والفنية القادرة على السير حثيثا في عملية التنمية. وبعضها يفتقر إلى الموارد المادية والبعض منها يفتقر إلى الاثنين معا. وليس معنى ذلك أنه حيث توجد هذه لا توجد تلك فالتقديرات كلها نسبية إذ قد توجد كل هذه الإمكانات في مكان واحد ولكن بدرجة تزيد أو تنقص قليلا أو كثيرا عن مثيلاتها في المحافظات الأخرى. على أن هذا توصيف لما هو قائم في هذه اللحظة دون النظر إلى ما تخبئه كل محافظة من موارد وإمكانات لم تكتشف بعد أو أنها في الطريق إلى الظهور.
إن التكامل الوطني والحس الوطني الصحيح يفترض أن على الدولة أن تخطط وتنسق احتياجات كل محافظة على حدة. فالمحافظات التي تفيض مواردها البشرية عن حاجتها سواء من القدرات الإدارية والفنية أو من ال

قد يعجبك ايضا