ليالي الحميريين
محمد صالح الحاضري
لقد عرف الحميريون الكبريت واستخدموه في إشعال النار كان كبريتا سائلا وكانت هناك اعواد يتم غمس رأسها في السائل الكبريتي ويتم تجفيفها ثم بالاحتكاك مع حجر اسود تتولد النار.
كانت مادة النار تصنع من روث الحيوانات المجفف حفاظا على الثروة الحراجية فلا تأكلها احتياجات الطاقة المنزلية وكانت ثمة مادة مساعدة هي الأعشاب الجافة المجلوبة من الهضاب بعد أن تجف في أماكنها ويتم احتطابها ثم عند استعمالها يؤدي اشتعالها السريع إلى توليد النار في قطع الروث الجافة التي تحتفظ بالطاقة لمدة اطول فكان يتم تغطيتها بالرماد فتكون النار تحت الرماد وتشكل اساسا متواصلا لإشعال النار منها بوضع رأس عود الكبريت فيها لكن كان يتم وضع إعداد العشب المجفف فيها ونفخها حتى تشتعل الأعواد توفيرا لمادة الكبريت التي كان يتم شراؤها من السوق بعكس اعواد العشب الجاف المتوفرة مجانا في الهضاب والوديان والقيعان.
نفهم من ذلك جذر كلمة تنور وهي كلمة سامية تعني النور أو النار أو الإضاءة وبمعنى أدق اسمها أداة أو مكان النار لكن مدخل التشغيل له اسم حميري يسمى »مناق ولأنها عبارة عن فتحة صغيرة أسفل التنور يتم منها تلقيم النار بالمواد لصعوبة تلقيمها من فتحتها الرئيسية المتصاعدة منها السنة اللهب فتسمى تلك الفتحة الصغيرة باب المناق فتبدو التنور وكأنها آلة لتوليد النار ولا تعتبر آلة لصناعة الخبز الا في جانبها الوظيفي الثاني المتعلق بجدرانها الساخنة ذو الشكل الدائري كجدران ملساء دائرية الشكل مصنوعة من الطين المجفف.
كذلك هناك الموقد وهو غير التنور واسمه الموقد من الوقيد وقيد النار وهو متنقل بعكس التنور ويستخدم لتوليد النار بأن يجعلها متوفرة عن قرب في الغرف والحميريون يسمون الغرفة الصغيرة مكانا والغرفة الكبيرة مكانا كبيرا وهما أقل حجما من الديوان وكان الموقد كذلك يستخدم للتدفئة في الشتاء.
وكانت مادة نار الموقد هي الحطب المتقادم الاستخدام اشبه بالفحم ويسمونه سود بفتح السين نسبة إلى شكله الأسود ولاندري إذا كان نوعا من الفحم الحميري اذا لا يعقل ان قوما استخرجوا خام الذهب والفضة والنحاس والحديد لم يستخرجوا الفحم أو ينتجوه من مواد طبيعية سليمة بيئيا.
لم ترد تفاصيل عن الحياة الحميرية الليلية سوى الليالي المقمرة التي يسمونها ليلة النص وهي ليلة الذروة الضوئية القمرية تسبقها ليلة وتتبعها ليلة اخرى كانوا يستغلونها للخروج إلى »الجرين« جمع جران بمحاذاة البيوت بالقرى وهي اماكن فصل الحبوب عن السنابل وكانوا لا يخرجون الا جماعات نظرا لوجود الحيوانات المفترسة وأخطرها حيوان مشهور في الذاكرة الشعبية اسمه السمع وهو الاسم الحميري للضبع وكانوا يشاهدونه يحوم خارج اسوار القرى بانتظام وسبب قضائهم الليالي المقمرة في الجرين لساعات الليل الأولى هو ان الجرين مرصوفة بالأحجار رصفا دقيقا باعتبارها مكان جمع الحبوب بعد فصلها عن سنابلها ووضعها في الغراير (غرارة مفردة حميرية تعني الكيس أو الشوال الكبير الذي لا تحمله غير الجمال لثقله) وقد يكون ذلك جزءا من موروث وطني قديم كما ان قضاء الليالي المقمرة كان يتم في اسطح المنازل وكانت القمر رمزا اسطوريا يؤلهه السبئيون والحميريون قبل اتساع نطاق الديانة التوحيدية وانتشارها بين اليمني