التعليم الجامعي أعباء وبطالة
يكتبها: علي أحمد بارجاء
لا شك أن التعليم الجامعي قد توسع خلال العشرين سنة الماضية بإنشاء الجامعات الحكومية في أكثر من محافظة إلى جانب جامعتي عدن وصنعاء لاستيعاب إقبال الطلاب المتزايد عليهما, من أجل بناء جيل متعلöم تعليما عاليا ليسهم في خدمة التنمية والتحديث, ولتخفيف الأعباء المالية على الأسر التي ترغب في مواصلة أبنائها تعليمهم الجامعي لما كان يترتب عليه وجود الجامعة في العاصمة فقط من ضرورة سفر أبنائهم وحاجتهم إلى السكن والغذاء والمصروفات المختلفة, ناهيك عن بعدهم عنهم, كل ذلك سيخفف عنهم حين تكون الجامعة في محافظتهم أو بعض كلياتها في مديرياتهم, وبخاصة أن أغلب السكان هم من ذوي الدخل المحدود, أو دون خط الفقر. وإذا كانت الجامعات قد وجدت في أكثر من محافظة لتحل مشكلة بعد الأبناء, إلا أن سعة الكليات بتخصصاتها المختلفة أصبحت غير قادرة على استيعاب مخرجات الثانوية العامة الذي يزدادون عاما بعد عام, فحين يتقدم لإحدى الكليات 900 طالب وطالبة, فالغالب أن العدد المطلوب يكون أقل من النصف يتم اختيارهم بالتنافس على تحقيق أعلى النسب في امتحان القبول, وتصبح فرصة قبول غير المقبولين في العام الذي يليه غير مضمونة بسبب أن الفرصة حينها ستتاح للمتخرجين بعدهم من الطلاب.
ويظل عدم وجود بعض التخصصات في الجامعات عاملا من عوامل اضطرار بعض الطلاب الراغبين في الالتحاق بها إلى التماسها في جامعات العاصمة أو المحافظات الأخرى إن لم يكونوا من ذوي الحظوظ للفوز بمنح الابتعاث الخارجي التي هي غالبا ما تكون من نصيب أبناء المسؤولين والمتنفذين والمقربين إلا من رحم ربي. وعلى هؤلاء الطلاب أن يدفعوا قيمة سكنهم وغذائهم, فالدولة قد تخلت عن توفير السكن (الداخليات) والغذاء لطلاب الجامعة وكأن الشعب اليمني كله قد أصبح من الأثرياء, أو أن الدولة قد أصبحت من الدول الأكثر فقرا في العالم.
ويصبح أمام الطلاب غير المقبولين في الجامعة وهم أعداد كبيرة كل عام الالتحاق بحشود العاطلين الباحثين عن عمل بشهادة الثانوية, إلى جانب مخرجات الجامعة التي هي الأخرى لم تجد عملا, مع أن فرصتها في العمل أكبر من مخرجات الثانوية, بالإضافة إلى مخرجات المعاهد الفنية, حيث تعجز الدولة عن توفير فرص عمل تستوعب هذه الحشود, كما أن الشركات والمؤسسات غير الحكومية لا تساهم بدورها في حل مشكلة البطالة, فليس كل شاب قادر على أن يؤسس لنفسه عملا خاصا, وعليه فلن يكون أمام كل شاب من هؤلاء الشباب سوى اللجوء إلى الهجرة عن الوطن, أو أن يسلك سبلا غير محمودة العواقب تكون خطرا ووبالا عليه وعلى أسرته ومجتمعه ووطنه, ويهدد استقراره وأمنه.
المشكلة التي يواجهها الوطن من تزايد عدد الطلاب الراغبين في الالتحاق بالجامعة, وعدم القدرة على استيعابهم, ثم عجز الدولة عن توفير فرص عمل لهم أو للمتخرجين في الجامعة بعد ذلك, مشكلة كبيرة وبحاجة إلى دراستها ووضع الحلول الناجعة لها, مع عدم معرفتنا للحكمة من قضاء الطلاب بعد تخرجهم من الثانوية عاما كاملا من الفراغ يفصل بين تخرجهم والتحاقهم بالجامعة مباشرة!
وقفة للمقارنة:
حين نعرف معاناة الأسر اليوم بسبب تحملها لأعباء التعليم الجامعي الذي نصöر على أن نسميه تعليما مجانيا فإننا نتذكر كيف كان التعليم الجامعي مجانيا حتى قبل عقدين ونيöف من الزمان, حيث كانت الجامعة تستوعب كل المتقدمين إليها من غير أن يكلفهم ذلك دفع أي رسوم, بل إن الدولة كانت توفر لطلاب الجامعة إلى جانب المقعد, السكن الصحي والغذاء الجيöد المتنوöع مجانا, بل تمنح لكل منهم فوق ذلك مبلغا ماليا شهريا لا يقل عن عشرة دنانير, بل تضمن لهم الوظيفة بعد التخرöج مباشرة يتقاضون مرتبها في زمن أقصاه شهران من التحاقهم بالوظيفة. هل ننتظر حلا لهذه المشكلة, أو علينا أن نقول للزمان: ارجع يا زمان!!