سراب التغيير!!
احمد الشرعبي
احمد الشرعبي –
تتغير الأزمنة بتغير مدخلات الحياة وتبدل معايش المجتمعات واختلاف الروابط الفكرية والاقتصادية بين الشعوب.. ومن فترة تاريخية الى أخرى تفرض التحولات نفسها على حركة الكائنات وتفاعلاتها ويمتد نطاق التأثير التفاعل الحيوي من الإنسان إلى الطبيعة (الجيوبولتيك) ومنهما الى كل ذي حق في الحياة على ظاهر الأرض.
ومع اختلاف الحقب وتغير الأزمنة تأخذ الثقافة مكانها البارز في صياغة الوجدان الإنساني وتتبارى الشعوب وتتنافس على أفضلياتها المعرفية وتنشغل عقول قيادتها بتداول محددات التغيير وتأثيراته المحتملة في علاقات النظم السياسية وإدارة عملية تبادل المصالح المادية بين المجتمعات وهو الأمر الذي يفرض شكلا آخر من خرائط الصراع ونزاعات التفوق والنفوذ اللذين يتوزعان على جبهتين أولاهما تلك القوى الدولية المسيطرة على أدوات النفوذ ووسائله وتقنياته فيما تعتاش الجبهة الثانية على تناقضاتها الداخلية وتتناهبها معرفة المحاكاة (التقليد)وتوطين حالة الارتهان لمتغيرات الصراع الدولي دون وعي بمؤهلاته او وجود تشاركي في رسم معادلاته وإدراك لماهية التغيير الذي يتعين التأسيس له بخطوة صحيحة في بنية التنوير المعرفي بدلا عن آلاف الخطى الدنكشوتية المتدافعة في تنور السياسي المؤدلج الذي يحيل الثقافة على مؤخرة أشغاله لتغدو السطلة- لا الدولة – هدفا قائما بذاته ومرتكزا محوريا للتغيير¿ .
بعد سنوات من التيه سيقول هذا السياسي الدوغما اخطئنا الوجهة وقدنا الربيع العربي باسم التغيير ولم نكن نعرف المضمون الوطني والقومي والحضاري لمضامينه الثقافية القادرة على تحرير العقل من رواسب التخلف ومعاقله الاجتماعية . لكنه – السياسي الفج – سيبدأ من فوره في حبك لعبة أخرى تعيده الى الواجهة تعبيرا عن شغفه بمقارعة تحديات المستقبل اصالة عن التغيير ونيابة عن ذوي المصلحة الحقيقة بترجمة اشواق الغد!قل ما شئت حول عهد وممارسات الرئيس المصري السابق محمد مرسي لكنك لا تستطيع انكار مسئولية ثورة 25 يناير عن انتاج مرحلته ¿ وما لا جدال فيه ان احشاء الثورة المصرية امتلأت بجنين أخذ يتوعدها بالعقوق قبل ولادته اما وقد ولد من رحمها فان اول رصاصة طائشة تطلق باسم الثورة اتجهت صوب الثقافة بوصفها الحامل الموضوعي المفترض لقيم التغيير واولوياته الرئيسة في واقع مجتمعاتنا العربية .
كان هذا شأن ثوراتنا العربية بنهجها المغاير اهدافها المعلنة وسيصبح ذلك حكم التأريخ على نزوعها لطابع الانقلابات من حيث الممارسة وماهية الاحداث التالية لانطلاقاتها .
قريبا وتدخل هذه الثورات عامها الرابع من غير ان تقدم نموذجا للاحتذاء أو مثالا على مغايرة نقائضها داخل حركة الواقع ..
واضح أننا لن نرى الطاووس الليبي يختال وسط خيمة تكتض بخرافات اللجان الشعبية وخدعة البلد الاستثنائي الذي ليس لديه امير أو ملك أو رئيس يحكمه لكن بصمات القائد ما تزال سمة سائدة تطبع صبغتها الطاغية سحنة التغيير فيما لا أثر للثقافة على تشكيل الفوارق الواقعية بين ما كان وما هو كائن ..¿
في أوعية السياسة تتداخل الأزمنة ببعضها ويتموضع فعل المجتمعات وسطا بين حاضر لا علاقة له بالمستقبل وماض ما ينفك حاضرا بعوامله وشخوصه ورعونة تفاعلاته ..
لم تغب الثقافة عن ربيع العرب فقط وانما صار القدر الضئيل من مرئياتها هدفا تنشب في قلبه حراب القوى السياسية المستحوذة على مسار الربيع وتفاحته المتحجرة ! .
في تونس ومثلها او على مقربة منها اليمن وليبيا تستأثر السياسة وصراع السلطة على كل شيء تقريبا لكن لا حديث عن القيم الثقافية التي تؤصل للتغيير او تضع اهدافه لمصلحة المستقبل ..
كثيرا ما كان هذا مدعاة سؤال مختلف .. ما دامت قوى الماضي المندحر او المستتر بأوراق الربيع تقاتل بعضها على السلطة فلماذا لا تكون الثقافة ضمن استعدادات الصراع ليغدو التنوع في اختيارات الضحايا ممكنا وتبريراته الأخلاقية جزء من حمولات الواقع بدلا عن الاحالات المتبادلة على ذمة التغيير وإضافة تبعات التجريب بالمجربين على كاهل تطلعات الشعوب .
وكما أن الشيء بالشيء يذكر نسأل أيضا لماذا لا تختلف هذه القوى على شأن من شئون الثقافة..¿هل ذاك لأن الموقف المسبق من المعرفة لا يدع ثمة مبرر للاختلاف ليصبح التغيير على هذه الوتيرة مجرد تهيؤات توهمتها الشعوب لتضع يدها على سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء.