النص الجديد .. رقمي تفاعلي

حمود الزليل

للقصيدة في رحلتها عبر التاريخ كإنجاز بل إعجاز إنساني حضاري محطات مختلفة في تمثلها وتشكيلها لما يحيط بها من متغيرات عصرها واختلاف الفلسفات والنظريات التي تحمل بعدها الحضاري زمانيا ومكانيا ومن هنا تأثرت القصيدة كثيرا في مضمونها وأساليب بنائها فجسدت الأطوار المختلفة للبشرية في مسيرتها الإنسانية فمن المثالية والتأمل وتمجيد العقل إلى الرومانتيكية التمرد والإبداع والعاطفة ثم الواقعية إلى الحداثة ومابعد الحداثة.

ولكن هناك متغيرات من خارج القصيدة لايبدو تأثيرها مباشرا في العمل الشعري ولكنه تأثير من حيث علاقة المتلقي بالنص ويتمثل ذلك في التحول من النص الشفاهي الذي تكيف معه الشاعر والمتلقي العربي قرابة ثلاثة قرون حتى بدأ النص الورقي يفرض حضوره وتداعياته التي أبرزها ظهور الكتابة الموازية للعمل الشعري كالشروح وكتب النقد وشهدت ذروتها فيما سمي بمرحلة الإحياء والبعث التي دشنت لما أطلق عليه عصر النهضة.
والنص الشعري كما نعرف جميعا يتشكل من عناصر يتقاطع استخدامها جميع الشعراء ولكنهم يتفاوتون في تحديد مساحة كل عنصر وآلية توظيفه تشكيل العلاقات بينها تفاوت يخلق الفروق بين الشعراء أو بالأحرى بين النصوص.
ومن هذا المنطلق فإن النظرية التفاعلية التي ظهرت مؤخرا وجدت طريقها للتسلل إلى عالم الأدب بعامة والقصيدة خاصة فالشاعروالناقد والمتلقي كما استطاعوا أن ينسجموا أو الأجدر يستغلوا التطورالورقي بعد حقبة من الشفاهية والنقل بالرواية ـ فإنه كان لابد أن يتكيف أو يوظف ثورة الوسائط التي تدفقت عليه بشكل متسارع مطورة ذاتها من الصوت إلى الصوت والصورة بشكل محدود ثم تطويرهما ليصبحا متاحين بيد الجمهور عبر الحاسوب وبرامجه ويغذيها الانترنت بكل ما يخطر في بال.
هذا التوظيف للميديا أو الوسائط المتعددة أظهر مايسمى يالنص الالكتروني أو الرقمي أو الشعر ميديا أو القصيدة الضوئية أو النص الصوتمرئي وغيرها من التسميات التي تتبادل في مدلولها كثيرا رغم إمكانية الوقوف على الفروق بين دلالة كل تسمية فالنص الالكتروني بدأ استخدامه مع الكتابة التي يعرضها الحاسوب مخزنة أو من الشبكة العنكبوتية ثم تطور تدريجيا إلى أن أصبح تعريفه: 
النص الذي ينشر نشرا رقميا ويستخدم التقنيات التي أتاحتها الثورة المعلوماتية والرقمية من استخدام النص للمؤثرات السمعية والبصرية الأخرى وفن الأنيميشنز والجرافيك وغيرها من المؤثرات التي أتاحتها الثورة الرقمية. )د. حسام الخطيب الأدب والتكنولوجيا وجسر النص المتفرع المكتب العربي لتنسيق الترجمة والنشر دمشق ط1 1996. )
ولأننا قد أشرنا سابقا أن هذا النوع من العمل يمثل الأدب التفاعلي فمن المنهدجية أن نشير إلى التجارب الأولى التي استهلها رائد التفاعلية الأمريكي روبرت كاندل عام 90 ثم التقطت الفكرة وتطورت بتطور التقنيات الرقمية الحديثة إلا أن حداثة التجربة والجدل حولها بين متحمس ومستخف عكست ظلالها على حجم الأعمال الرسمية الواعية المقصودة التي ظهرت تحت يافطة الإبداع الرقمي فهي محدودة قياسا بواقع محوري هذا النوع من الإبداع وهما الشعر والشعراء الذين يتضاعفون بشكل مطرد والمحور الآخر التطور في الوسائط الذي يقدم لنا كل يوم جديده ولكن ما ليس جديدا هو جدلية الصراع التي تحدث عند كل منعطف وتحول أو تطور في العمل الإبداعي الشعري من حيث شكله أو مضمونه.
وفي الوطن العربي ظهرت حالات كثيرة من توظيف الوسائط مع القصيدة كالنص الصوتي الشعبي ثم الفصيح والنص الجماهيري الذي يظهر شاعره صوتا وصورة وما إلى ذلك من أعمال أما الإبداع الذي يتبنى ـ بشكل احترافي ـ مفهوم النص الرقمي كما يعرفه المهتمون بدراسته يظل أكثر تواضعا من حيث حجم نتاجه وجودة إنتاجه ومن أهم النماذج التي اهتمت جادة بهذا الشكل ـ إن صح التعبيرـ الشاعر العراقي مشتاق معن والأديب الأردني محمد سناجله وعلى المستوى النقدي يظهر الدكتور سعد يقطين والدكتورة فاطمة البريكي والدكتور أمجد الفاضل.
ونحن اليوم أمام تظاهرة إبداعية تضع اليمن غدا في قائمة أوائل المهتمين بهذا النوع من الأدب وتمنح شعراء هذا الإنجاز الريادة في الإبداع الرقمي بعامة والشعر ميديا بوجه خاص ـ تتمثل في العمل الإبداعي “شعر ميديا” الذي تبناه وأسس له شعراء الحركة الثلاثة وهم : الشاعر عبدالعزيز الزراعي والشاعر علي الفهد والشاعرعبد الواحد عمران والذين وفقوا أيما توفيق عندما وصف هذا المنجز الإبداعي الأدبي بأنه “عمل” لأنه كذلك بحق فالقصيدة وإن كانت المهيمن الإبداعي فيه إلا أنها لاتلغي الأجناس الأخرى كالموسيقى والرسم والتصوير مضافا إليها فنونا جديدة كالمونتاج والجرافيكس وغيرها
وشعراء المجموعة يحاولون بذلك أن يرمموا ماتشرخ من العلاقة بين المبدع وجمهوره الذي لم يعد وقته وإمكاناته تتيح له حيازة الدواوين الورقية وقراءته

قد يعجبك ايضا