اللغة الحميرية المحكية

محمد صالح الحاضري


 - إذا ما نظرنا إلى اللغة العربية المسماة في مراحلها الأولى باللغة النبطية وتميزها بالتشكيل والتنقيط والتلاصق على عكس بقية اللغات السامية المنفصلة الحروف عن
إذا ما نظرنا إلى اللغة العربية المسماة في مراحلها الأولى باللغة النبطية وتميزها بالتشكيل والتنقيط والتلاصق على عكس بقية اللغات السامية المنفصلة الحروف عن بعضها عند كتابتها فالمقصود مباشرة بمشترك الأبجدية هو الألف والباء والتاء والثاء الخ على عكس حروف اللغة الإنجليزية مثلا أي بي سي دي الخ فهي في الحقيقة نفس الأبجدية الطبيعية لكل لغات العالم لكن لغة تنطق حرفها ألفا ولغة أخرى تنطقه أي والباء هي البي والسين هي السي والدي هي الدال وأساس ذلك هو الأصل الفطري للغة عموما نسبة إلى الفكر الأزلي الإلهي بصفته هو ماهية الوجود الأصلية وكل فكر في الواقع الموضوعي التاريخي نشأ عنه ويمثل صيرورته الموضوعية داخل التاريخ العام.
إن أوجه الاختلاف الأبجدي بين عائلة اللغات السامية طفيفة ويظهر من النطق وتركيب الجمل على الحروف فعند كتابة اللغة الحميرية يتميز شكل الحرف الحميري “خط المسند” عن حروف اللغات السامية لكنه يتماهى معها في التهجية وفي مشترك المفردات خارج إطار الخصوصية اللغوية كأساس نفهم به خطأ اعتبار اللغة الحميرية المعاصرة لهجة عامية في إطار العربية السائدة في موطن الحميرية لاعتبارات متعلقة بظروف تاريخية اغترابية محكمة التدبير وإنما ما يظهر من ترادف هو مع اللغات السامية ككل ومنها العربية.
تمت الإشارة في موضوع سابق إلى خطأ تأصيل المفردة الحميرية على نفس معنى المفردة العربية وأنه يؤدي إلى نتيجة خاطئة على عكس المعنى الحقيقي وتلك من مؤثرات خصوصية اللغة الحميرية فنلاحظ عند تأصيل اسم حمير على أساس المعنى اللغوي العربي المباشر أن ذلك يذهب به بعيدا في عكس اتجاهه.
ففي واحدة من قصائد سالم الشبزي يقول الحميروم مع الكروم مع الشهوم مضيف وصف نخللو في بيت من الشعر باللغة العبرية اليمنية تترادف فيه حميروم الصفة الأخلاقية الاشتقاقية اشتقاقا لصيقا بحميروم “حمير في اللغة العبرية اليمنية واللغة الحميرية” مع الشهم والكريم وصاحب النخوة.
كذلك نلاحظ اختلاف الشكل اللغوي للمفردة الحميرية عن العربية في أداة التشبية فيقال في الحميرية سع أو ساع كما بالعربية وفي اللغة الحميرية الأمازيغية اشتراك مع الحميرية اليمنية الأم في الكلمات فيقال فيساع وتعني بسرعة في العربية.
كذلك يقال كصبحتو وكمسيتو تحيتي الصباح والمساء “كيف أصبحتو وكيف أمسيتو” ويقال في النهار السلام عليكم وفي العبرية اليمنية شالوم عليخم لعدم وجود الكاف في الحرف العبري فيحل محله الخاء وتنطق سلام شالوم بحكم أن الشين حرف مركزي في العبرية مثل الحميرية.
والملفت للنظر أن يوم هي نفسها في العربية والعبرية لكن الشائع في الحميرية هو “نهار” بدل يوم فيقال طول النهار كوحدة قياس زمنية لأنشطة العمل ولا يقال عشرين يوما مثلا بل يقال عشرين نهارا بما يعني احتكامهم إلى ساعات العمل في تشكيل مركزية التقسيم الزمني واحتسابهم الليل في خانة الوقت الضائع لكن من الواضح أن الليل كان يتعب اليمنيين الحميريين قبل عصر الكهرباء فعاقبوه بإخراجه من خانة الوجود إلى العدم.
إن الاصطلاح الزراعي اليمني عبارة عن نظام لغوي حميري متكامل تعتبر اللهجة اليمنية التقليدية وثيقة الصلة به بصفتها هي الحميرية المحكية في التاريخ المعاصر وكذلك الاصطلاح الجغرافي والسكاني تغطية اللغة الحميرية بالكامل إلى تاريخنا وكانت اللغة الحميرية قبل القرن السادس للميلاد منحت النشاط الوطني التاريخي بشكل عام اصطلاحه التغييري الوظيفي التفصيلي كما منحت الأماكن عناوينها وأسماءها فكل مدينة وقرية وبقعة وجربة وجبل له اسمه الحميري وتسمى اليمنيون واليمنيات بأسماء سبئية حميرية تشكل إلى تاريخنا نسبة كبيرة من الأسماء والآلقاب الشخصية والعائلية بلقيس وغمدان وقتبان وريدان وذويزن وذونواس وسبأ وحمير وأوسان ومعين.
كما أن مكرب وتبع وقيل تكشف عن الخصوصية الاصطلاحية الوطنية الناجمة عن تطور اللغة اليمنية واتساعها وتغطيتها لمتطلبات النشاط الوطني التاريخي اللغوية وهي حقائق تكشف بأن الأرض اليمنية نفسها تتكلم حميري.

قد يعجبك ايضا