الأسس الاقتصادية والتنموية في الدستور اليمني الجديد
أ.د طه أحمد الفسيل
قبل أن يشارف مؤتمر الحوار الوطني على الانتهاء فإن من الأهمية إبراز القضايا والمسائل الاقتصادية والتنموية والاجتماعية في الدستور اليمني الجديد والتي رغم أهميتها ودورها البارز في وصول الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية في اليمن إلى ما هي عليه حاليا إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل السلطة السياسية وحكومة الوفاق الوطني وكذلك من قöبل الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والمكونات الشبابية المشاركة في الحوار والتي ركزت جل اهتمامها على القضايا والمسائل السياسية.
فأحداث التاريخ المعاصر تشير إلى أن القاسم المشترك بين الانتفاضات والثورات الشعبية التي قامت ضد الأنظمة السياسية المستبدة في معظم دول العالم تتمثل في سعيها للخروج من حالة الفقر والتهميش وانعدام المساواة والعدالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مستهدفة كذلك الحد من الفساد ومكافحته بعد أن استشرى واستفحل في كافة مفاصل هذه النظم.
في يمننا الحبيب تتمثل الخطوة الأولى في تأسيس نظام سياسي واقتصادي واجتماعي في اليمن ويتطلب ذلك بالضرورة أن يؤسس الدستور اليمني القادم لعقد اجتماعي جديد يترجم اقتصاديا واجتماعيا من خلال تحديد توجهات اقتصادية واجتماعية صريحة تؤسس للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المرجوة التي تلبي طموحات وآمال الشعب اليمني وتطلعاته وتضمن له الحياة الكريمة والعيش الكريم وكذلك وسائل تطبيقها. صحيح أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية بحكم طبيعتها هي إجراءات تتبدل وتتكيف ويشترط فيها أن تتأقلم لزوما مع المشاكل المطروحة إلا أنه من المستحب كذلك أن تتوفر أرضية ومرجعية دستورية لهذه السياسات بحيث لا تنحرف أو تزيغ عن مرتكزات العقد الاجتماعي المتفق عليه والمتضمن في الدستور.
ولذلك فإنه من باب المسئولية الوطنية التنبيه بأهمية المسائل والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والتي يجب أن تحظى على الأقل بنفس الاهتمام بالمسائل السياسية , خاصة وأن المناخ الفكري العام السائد حاليا في اليمن لا يزال مركزا جل اهتمامه, إن لم يكن مهووسا ومطبوعا على المسائل والجوانب السياسية كذلك تمر اليمن حاليا بلحظة تاريخية فاصلة وغير مسبوقة في تاريخها المعاصر ممثلا بالتغيير السياسي الكبير والذي لا بد أن يتعزز ويكتمل بإحداث التغيير الاقتصادي والتنموي والاجتماعي بصورة حقيقية وجذرية وبما يعزز متطلبات واحتياجات التغيير السياسي الذي حدث وفي الوقت نفسه يلبي يحقق أمال وطموحات الشعب اليمني وتضحياته وصبره الطويل.
بناء على ما سبق اعتقد بأن المطلوب من المتحاورين في الحوار الوطني بصورة أساسية التوصل إلى توافق علمي وموضوعي قبل التوافق السياسي حول القضايا الأساسية الاقتصادية التنموية والاجتماعية التي سيتم تضمينها في الدستور اليمني الجديد وتبرز هنا قضيتان في غاية الأهمية تتمثلان في تحديد كل من الأهداف الاقتصادية التنموية للدولة اليمنية الحديثة وشكل النظام الاقتصادي المنشود باعتبارها تشكل القاعدة الأساس التي سترتكز عليها بقية الأسس والمبادئ الأخرى.
فمصدر الخلل الأول في الدستور اليمني الساري يتمثل في الأسس الاقتصادية وبالذات عدم إشارته مطلقا لأي أهداف اقتصادية تنموية واجتماعية للدولة أو النظام الاقتصادي.فالمادة السابعة من الدستور اليمني الساري تنص ” يقوم الاقتصاد الوطني على أساس حرية النشاط الاقتصادي بما يحـقق مصلحـة الفرد والمجتمع وبما يعزز الاستقلال الوطني وباعتماد المبادئ التالية”.وقد اتضح خلال السنوات الماضية بأن هذه المادة اطلقت العنان الحرية الكاملة لكافة الأنشطة الاقتصادية بدون توجيهها نحو تحقيق أهداف اقتصادية تنموية وطنية محددة وكذلك دون تحديد طبيعة الدور الاقتصادي التنموي والاجتماعي والرقابي الإشرافي للدولة ودون تحميل القطاع الخاص مسئوليات ومهام محددة. وقد أدى كل ذلك إلى جعل الغلبة للمصالح الشخصية للأفراد وسيادتها كدافع أساسي لكافة الأنشطة الاقتصادية والتنموية لا في القطاع الخاص فحسب وإنما أيضا في كافة أنشطة الدولة وقطاعاتها. لذلك لم يحظ دافع تحقيق مصلحة المجتمع اليمني بأي أهمية إلا في إطار المصالح الشخصية. وقد أثبتت التجربة خلال السنوات الماضية أن هذه الحرية كانت لها نتائج وخيمة الأداء ا