ذكريات الشيخوخة
عدن/ مختار البعداني
يطلقون على المتقدمين في السن تسمية “المرحلة الثالثة من العمر” أي ما بعد الطفولة والشباب وتوصيفات عديدة أخرى. لكنها تدل كلها على أنهم أصبحوا في “خريف العمر” الذي ينبغي عليهم فيه “تحضير رحيلهم”.
الصحفية الفرنسية لورنس بننعيم التي تتولى إدارة مجلة للموضة وجدت نفسها مأخوذة بما يمتلكه بعض المتقدمين في السن من نساء ورجال من الخصال الجيدة ومن جمال تكسب لهم تجربة الحياة. وهكذا قررت أن تكرس لهم كتابا تحت عنوان: “أجمل العمر”. وهي تتحدث فيه عن شهادتها ولقاءاتها مع بعض أولئك الذين جذبوها من كبار السن.
تبدأ المؤلفة بتقديم بعض الأرقام التي تشير بمجملها إلى المكانة العددية المتعاظمة التي يكتسبها المعنيون كنتيجة لتقدم الطب والرعاية الصحية. وهكذا نعرف أنه في بلاد مثل فرنسا سيكون عدد الذين تزيد أعمارهم عن 85 سنة في أفق عام 2060 اكثر من 5 ملايين بينما لا يتجاوز عددهم اليوم 1,5 مليون نسمة. هذا ما تدل عليه إحصاءات المركز الوطني الفرنسي للإحصاء.
أولئك الذين تقدم المؤلفة صورتهم تطلق عليهم توصيف “الشباب الحقيقيون”. وهؤلاء الشباب الحقيقيون الذين يتعرف عليهم القارئ في هذا الكتاب يحملون أسماء أشخاص ذوي شهرة كبيرة بل وعالمية أحيانا. ليس أقلهم شهرة مصمم الأزياء الشهير هوبير دو جيفنشي والكاتبة الشهيرة ادموند شارل روو ومصمم الأزياء بيير كاردان والمغنية جولييت غريكو والممثلة بريجيت باردو وغيرهم. فهؤلاء جميعا يوحد بينهم “قاسم مشترك واحد” هو أنهم اجتازوا قرنا كاملا من الزمن تقريبا منذ ولادتهم وحتى الوقت الحالي.
اقتربت المؤلفة من المذكورين في كتابها وحاورتهم واكتشفت أيضا سمة مشتركة أخرى بينهم هي أن “حبهم للحياة لم يتغير”. المثال الأبرز تحدده المؤلفة في صحافي التحقيقات الأميركي رون غاليلا الذي كان قد جعل من مطاردة جاكلين كندي أحد مشاغله للفوز بعدة صور. كما تجده في مصمم الأزياء الفرنسي بيير كاردان.
ومما تؤكده جولييت غريكو أنه يمكن للإنسان أن يحب أكثر عندما يعطي ما لم يكن قد أخذه. وتعتبر غريكو نفسها بمثابة جسر بين مختلف شواطئ حياتها.
إن ما تقدمه المؤلفة في هذا العمل هو ترجمة للأحاسيس التي عاشتها عندما التقت بالمعمرين الذين يسكنون صفحات كتابها. وهي تنقل الى القارئ أحاسيسها الشخصية قبل كل شيء. كما تنقل ما كانوا قد قالوه هم أنفسهم عما يختلج في أعماقهم بينما تجاوزوا الثمانين سنة. وكذا ذكر ما بقي لديهم من ذكريات الماضي وتجربة الحياة التي كانت في أغلبية الحالات زاخرة والإبداع.
وتخلص المؤلفة إلى حقيقة أن الشيخوخة معركة مثل جميع المعارك تعرف الانتصارات. والهزائم وليس مجرد الهزائم كما شاعت صورها. وتحرص المؤلفة بوضوح على ألا تنقل الى الأذهان نوعا من التفاؤل الخادع.
بل تتبنى إلى حد كبير المقولة التي رددها الممثل الفرنسي جان لويس تراتينيان الذي دخل مرحلة السن المتقدمة في الفيلم الشهير “الله خلق المرأة” وجاء فيها: “لم ينبهني أحد أن الشيخوخة ستكون بهذه القسوة”.
المؤلف في سطور
لورنس بننعيم. صحافية فرنسية تتولى إدارة مجلة للموضة “ستيليتو”. وتتعاون بانتظام مع صحيفة “لوموند”.
الكتاب: أجمل العمر – تأليف: لورنس بننعيم – الناشر: غراسيه – باريس- 2013 – الصفحات: 224 صفحة – القطع: المتوسط