يسـار اليمن

أحمد الشرعبي

 - غادرنا القرن العشرين بمحصلة جوهرية أجلت الجزء الأهم من جرع التطرف في ادعاء الحقيقة بين أيديولوجيا المسلمات الطبقية المطلقة من جهة ومجاهر الكهنوت التي تعتقل حرمة العقل و تفرض وصايتها على حق المعرفة في استكشاف الملكات وإعادة تقديم الحياة
غادرنا القرن العشرين بمحصلة جوهرية أجلت الجزء الأهم من جرع التطرف في ادعاء الحقيقة بين أيديولوجيا المسلمات الطبقية المطلقة من جهة ومجاهر الكهنوت التي تعتقل حرمة العقل و تفرض وصايتها على حق المعرفة في استكشاف الملكات وإعادة تقديم الحياة على نحو لائق برسالة الاستخلاف.. وفي خضم جدلية التطور البشري وصراع الصعود إلى الذروة والسقوط في المنحدر العميق استطاعت ثورة الاتصالات فرض سلطتها على حساب الكيانات التقليدية المحكومة بتحالفات سلطتي الاستبداد السياسي والروحي .. القوة والتدين.
وبينما كانت منابع الصراع القطبي تغير مجراها داخل حركة التأريخ والمعسكر الاشتراكي يدخل طورا جديدا من أطوار السباق الرأسمالي متوخيا بلوغ منزلة التماثل بأقل الخسائر الممكنة على صعيد الالتزام لمصالح الطبقة العاملة متحملا مسؤوليته عن إدماجها بتوجهاته الاقتصادية ضمن نموذجه الخاص ما يجعلها أساسا لعملية التحول نحو سياسات السوق ومتطلبات الاشباع الذاتي من التقنات والبرامج ووسائل الإنتاجية العالية في الوقت ذاته أخذ الغرب يعيد إنتاج تصوراته الاستعمارية القديمة بأخرى ناعمة تشتغل على ظواهر التخلف وتستثمر بدائيات الصراع على السلطة في أقطارنا العربية والإسلامية وتجعل منها منطلقا للإغواء باسم الديمقراطية والتعددية الحزبية والشفافية والحكم الرشيد وحرية التعبير وحقوق الإنسان الخ.. أما في الحقيقة فإنها على مدى ثلاثة عقود لم تكن تبحث عن مجتمع ديمقراطي عربي يسمح بنشوء مثال لتبلور هذه القيم في حياة المجتمعات قدر حرصها على تبني ديمقراطيات توصف بالناشئة وهو مصطلح أميركي محض استخدم لأغراض متعددة أهمها تعطيل السنن الكونية في التغيير واحتوائها بعينه من الصناديق السحرية المخصصة لتنافس الجميع على فوز الزعيم ذاته وكما رأينا إلى عدد من مشاهد السيناريو الأميركي الممل إذ ينتهي لشخصنة الصراع وسقوط رؤساء الديمقراطيات الناشئة في الوقت المحدد لصلاحيات الاستخدام وبروز الحاكميات الدينية الأقدر على إضاعة كل شيء مقابل الظفر بحفنة من الوعود بتطبيع علاقاتها مع الغرب وفيما يبدو فإن الوعود المشار إليها أملتها تصورات بعيدة عن حقبة قادمة من معادلات الصراع الدولي والرغبة الأميركية في التكفير عن الممارسات المجحفة مع أصدقاء قدامى تحسبا لساعة ضيق قد تستدعي الحاجة لجاهزياتهم ومن هذا المنطلق يمكن فهم الموقف الأميركي تجاه الاحداث في مصر وسوريا تحديدا و قراءة المغزى الحقيقي لافتتاح مكتب تمثيل رسمي لجماعة طالبان (القاعدة) جوار احدى أبرز القواعد العسكرية الأميركية في دولة خليجية معلومة الوجهة والواضح أن العبرة ودروس وتجارب الحياة لا تجدي نفعا مع العرب..سيان إن تعلمنوا أو اختاروا الاسلمة بدلا عن الإسلام..
على أن هذا السرد لا يضيف إلى معرفتنا بالمتغيرات العلنية المتواترة جديدا اللهم إلا في حال النظر إلى ما تحدثه الفكرة المضطربة من شجن أو يوقعه تصابي الذكرى العالقة في ثنايا رواية ( العجوز والبحر) لهيجو مع انه حتى عند الحاجة لترديد شعار حماسي يجتر مفردات النضال المفرط به خلال مراحل التطبيق الميكانيكي لقواعد دولة البروليتاريا لا بد أن يتفقد امرؤ مشط فكيه والتأكد من سلامة نطقه للشعار الاشتراكي وإمكانية ترديده دون جوقه تابعة !
الأسبوع الماضي التأم في صنعاء مؤتمر حوار ليسار اليمن وكلمة اليسار في هذا البلد أقرب لمعنى الوفرة منها للايديولوجيا ..¿ أحسب أن حقائق ووقائع ومخرجات الحالة اليمنية تدعو لاعتبار مؤتمر طارئ بهذا المسمى في عداد الإشارات المرورية المكتوب عليها (الاتجاه إلى اليمين إجباري) !!.
وهنا يتعين علينا النقر على سؤال فاجع .. هل فعلا ما يزال اليسار في اليمن يسارا وهل ثمة ما يدل على ذلك في إنجازات وممارسات ومواقف معظم القوى والأحزاب السياسية التي ترتدي برد اليسار.¿ إن كان اليسار ما برح نفسه على ما نتمنى ونحلم فمن يكون اليمين إذن¿ وأين يقف اليسار بمكوناته الراهنة من المبادئ التي رسمت قسماته وحددت مساره قبل 22 مايو 1990م وهل نراه في صف الضحايا الذين رسخ في أذهانهم قناعاته الوحدوية والإنسانية وتحملوا من الولايات ما يفوق التصور وبغته يجدون اليسار الرسمي يسلم حلمهم التاريخي لرأس النظام السابق ويتخلى عنهم عند إعلان الانفصال ثم لا يفيد من التجربة إذ يصبح موقفه من الوحدة مجرد إضافة عابرة على جدول تحالفات طوباوية خارج سياق تاريخ الحركة الوطنية اليمنية.. اسأل أيضا.. أي يسار تشدنا فعاليته الصنعانية على حين تغيب عنه الرؤية إزاء الحالة المصرية والموقف من العدوان الأ

قد يعجبك ايضا